“إيد واحدة” فرقة مسرح للدمى، أعضاؤها أطفال لاجئون سوريون. تأسست في 2016 ، ومقرها مخيم “شاتيلا” بلبنان. وتعتمد الفرقة على عالم الخيال المطلق الذي تجسده دمى يصنعها الأطفال، ويتخفون وراءها للبوح بقصص قد تتماهى مع واقعهم وقد تختلف. و”أبو صطيف” محقق أماني الأطفال، دمية من هذه الدمى التي دار حولها عرض من عروض الفرقة.
أزقة صغيرة، منازل متلاصقة، جدران متآكلة، أسلاك كهربائية في كل مكان، كثافة سكانية كبيرة. تلك هي المشاهد التي تطالعك عند عبور مخيم “شاتيلا” الواقع جنوب بيروت عاصمة لبنان. لكن بمجرد الوصول إلى محترف فرقة ” إيد واحدة” تغيب عن الذهن كل تلك الصور، لتستقر صور أخرى فيها كثير من الألوان والدمى والأمل.
دمى تزين الجدران، وأقنعة تروي ألف قصة وقصة، ورسوم تروي حكايات صاغها الأطفال بأقلام وألوان.
بين الدمى المعلقة هنا وهناك، دمية تسترعي الانتباه. شكل مخيف، أنف طويل، وعضلات مفتولة.
“أبو صطيف” محقق أماني الأطفال
عبد العزيز العائدي المخرج المسرحي في فرقة “إيد واحدة” التي تأسست في 2016 ومريم سمعان مدربة صناعة الدمى، يقولان إن الدمية المذكورة تدعى ” أبو صطيف” وميزتها أنها تحقق أحلام الأطفال. فما حكاية ” أبو صطيف”؟
في هذا المحترف أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و16 سنة، هربوا من جحيم الحرب في سوريا، واستقروا مع أهاليهم في مخيم “شاتيلا”، وهم صانعوا الدمى في فرقة “إيد واحدة”. وقد تخيلوا “أبو صطيف” وصنعوه وطوروه على مستوى الألوان والشكل واللباس والشخصية، ليصبح ناطقا بمكنوناتهم التي يعجزون أحيانا عن التعبير عنها مباشرة.
يقول “أبو صطيف” للدمى: “اطلبوا ما تشاؤون، سأحقق أمانيكم ؟ فتتوالى الردود: أريد أن أسافر إلى أوروبا .أريد أن أعيش في كوكب آخر، بعيدا عن سوريا وعن “شاتيلا”. أريد أن أذهب إلى القمر. أريد أن أصبح فنانا مثل بيكاسو . أريد أن أعود سنوات إلى الوراء”.
كان العرض ارتجاليا، لكنه كشف عن بعض أحلام هؤلاء الأطفال، حلم السفر والحرية والهروب من واقع الحياة داخل المخيم. هنا تتدخل مريم سمعان لتضيف أن ما يعبر عنه أطفال الفرقة ارتجالا، تطور من الحديث عن مخيم “شاتيلا” ومشاكله (ماء مالح، غلاء الأسعار، ضيق البيوت، الكهرباء) إلى الحديث عن سوريا وعما عاشه الأطفال فيها وما لم يعيشوه. فكان خيالهم مبنيا على الواقع وأصبحت الدمية وسيلة تساعدهم على كسر حاجز الخوف واللجوء إلى الأحلام والحلول السحرية التي يقدمها “أبو صطيف”.
وخلال العرض، كان محرك دمية “أبو صطيف” يجيب باقي الدمى بكثير من المرح، معيدا في كل مرة طلاسمه السحرية ” أبرا كادابرا… اطلب وتمنى .. شبيك لبيك أبو صطيف بين إيديك” فيعيش الطفل للحظات الوهم بكل ألقه، ويستعير حلما من أحلام يصعب تحقيقها في الواقع.
“أبو صطيف يحقق أحلام الصغار والكبار.. ولوكذبا”
حسين البالغ من العمر 16 سنة، محرك “أبو صطيف” يقول عن دميته: “نحن غير قادرين أحيانا عن التعبير عن أحلامنا مهما كانت بسيطة أمام واقع الحياة اليومية في المخيم، و”أبو صطيف” يعبر عن أحلامنا ولو كذبا. حتى أن الجمهور أصبح أيضا يطلب من “أبو صطيف” أن يحقق بعض أمنياته خلال العروض، وهذا أمر يسعدني لأن فرقة “إيد واحدة” استطاعت من خلال منهج دمج الدمى بالمسرح أن تخلق قصصا يمتزج فيها الخيال بالحقيقة، وأصبحنا نحن الأطفال نقدم عملا فنيا للكبار والصغار يتحدى قساوة الحياة اليومية ويحلق بالمتفرج في عالم أكثر جمالا”.
فرقة “إيد واحدة” قدمت عروضا كثيرة للكبار والصغار على مسارح لبنانية كمسرح مترو المدينة وكون وزقاق، ومخيمات للاجئين في برج البراجنة و”شاتيلا” والبقاع، وفي المدارس أيضا. وبالشراكة مع بعض المنظمات الإنسانية التي تدعمها مثل مؤسستي “عامل” الدولية ومؤسسة “أطفال المتوسط”، تشارك الفرقة في تقديم عروض للأطفال السوريين في مخيمات بشمال لبنان وجنوبه.
وتتلقى المجموعة اليوم دعوات كثيرة للعرض خارج لبنان كذلك، لكن مريم سمعان مدربة وصانعة الدمى في الفرقة، تخبر مهاجر نيوز أن أغلب الأطفال لا يملكون جوازات سفر تسمح لهم بمغادرة لبنان لتقديم أعمالهم خارج حدوده، وكأن الأطفال الفنانين في فرقة “إيد واحدة”، الذين طالما تخفوا وراء دمى للبوح بتجاربهم وقصصهم، ليسوا إلا دمى بأيدي الأقدار التي تحركهم كما تشاء.
- المصدر: مهاجر نيوز
عذراً التعليقات مغلقة