عندما يتمُّ ذِكْر الطفولة، فإن فيوضاً من معاني البراءة والعفوية ومشاعر الرحمة بالأطفال والخوف عليهم تنطلق من روح أيّ إنسان، حتى بلغ الخوف بالشاعر على ابنه وهو مازال في أوّل المشي أنْ قال:
لا تبتعدْ كثيراً يا ولدي
أخشى على ظلّكَ
أن يقعَ على الأرضِ
والأطفال أثمن ثروةٍ، فهم جيل المستقبل، وأملٌ واعدٌ في بناء الأوطان وازدهارها. وفي العصر الحديث لم يعد الاهتمام بالطفل وتربيته وتنشئته يقتصر على الأهل، إنما صار من إحدى أهمّ مسؤوليات الحكومات والدول تجاه مواطنيها وخاصةً في الدول المتقدمة.
وتأسيساً على ذلك نما اتجاهٌ دوليٌّ قويٌّ نحو ترسيخ حقوق الطفل في اتفاقيةٍ دوليةٍ، تتعهد الدول الموقعة عليها بالالتزام بها وتضمينها في قوانينها الوطنية لكل منها، وكان من نتيجة ذلك أن أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة ماسُميَ اتفاقية حقوق الطفل الدولية في 20 تشرين الثاني نوفمبر سنة 1989.
وقد انبثقت لأجل هذه الغاية منظمة دولية متفرعة عن منظمة الأمم المتحدة تُعنى بحقوق الطفل وحمايته دُعيت منظمة رعاية الطفولة والأمومة (اليونيسيف). وأصبح بذلك يوم العشرين من تشرين الثاني نوفمبر يوم الطفل العالمي.
وكانت سورية من ضمن الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية في عام 1993، وبالتالي فهي تعتبر ملتزمة بما جاء في بنود هذه الاتفاقية من حماية ٍوضمانٍ لحقوق الأطفال الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان من العالم.
عرّفت الاتفاقية الطفل بأنه: كل شخص دون الثامنة عشرة من عمره. وانطلقت من عدة مبادئ تشكّل في مجموعها ضمانات وحماية لحقوق أطفال العالم وهي:
– عدم التمييز بين الأطفال لأي سببٍ كان، سواء بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو النّسب أو الثروة.
– التعاون بين الدول من أجل إيجاد المصلحة الفضلى للأطفال حول العالم، ومنح الطفل التسهيلات التي تسهم في نموه العقلي والجسدي والروحي والاجتماعي بشكلٍ سليم تسوده الحرية والكرامة.
– ضمان حق الطفل في الحياة والبقاء والنماء والغذاء والدواء والضمان الاجتماعي والصحي والتعليم الإلزامي المجاني ومعالجة المعاقين جسدياً وعقلياً.
– ضمان حماية الطفل من كل أشكال العنف والقسوة والاستغلال والعمل في المهن الخطرة.
– ضمان حق الطفل في التعبير عن رأيه واحترام ذلك.
وعندما اندلعت شرارة الثورة السورية – ربيع عام 2011 على أيدي أطفالٍ رغبوا استعمال حقوقهم بالتعبير عن آرائهم بكتاباتٍ خطّوها على الجدران يطالبون فيها بحقوقهم المشروعة المصونة باتفاقية حقوق الطفل المذكورة – كان أول من عصفَ بهم النظام هم هؤلاء الأطفال حيث اعتقلهم وسَامَهم شتى أنواع التعذيب مخالفاً بذلك التزاماته التي تعهد باحترامها بموجب اتفاقية حقوق الطفل.
وفيما بعد وباستمرار الثورة وتطورات أحداثها ،أصبح حال أطفال سورية مأوساوياً للغاية، إذ قام النظام بممارساتٍ قمعيةٍ وإجراميةٍ متوحشة، شكّلت صدمةً للضمير العالمي، علاوةً على أنها تعتبر انتهاكاً فاضحاً لاتفاقية حقوق الطفل العالمية.
1- من منّا لا يذكر الطفلين حمزة الخطيب وثامر الشرعي اللذين اعتقلهما النظام وقتلهما ومثّل بجسديهما أبشع تمثيل،هزّ الضمير العالمي بأسره، بل من لا يذكر الشهيدين الطفلين آلان وعمران.
2- ارتكاب قوات النظام وشبيحته مجازر عديدة بحق الأطفال على كامل الجغرافية السورية التي ذهب ضحيتها الآلاف من الأطفال كمجزرة تلدو والحصوية وحي كرم الزيتون في حمص وريفها ومجزرة التريمسة في ريف حماه، ومجازر الكيماوي في الغوطة الشرقية في دمشق وغيرها كثير من المجازر في شتى المحافظات السورية، وتشير الإحصائيات توثيق ما يزيد على 30 ألف شهيداً من الأطفال منذ بدء الثورة السورية.
3 – ولم تقتصر جرائم النظام على تلك المجازر، فقد أدت الحرب التي شنّها على الشعب إلى نزوح مئات الآلاف من الأطقال مع أهليهم داخل وخارج القطر، وهم موزعون على عدة مخيمات في دول الجوار، يعانون فيها أقسى أنواع الظروف المعيشية والجوية والنفسية.
4 – لقد أدت حركات النزوح القسري تلك واستهداف المدارس بالقصف إلى تعطيل الأطفال عن متابعة دراستهم وحرمانهم من حقهم بالتعليم، ونشأ جراء ذلك أعداد هائلة من الطلاب أُجبروا على ترك مدارسهم فحرموا من حقهم بالتعليم الذي أوجبته اتفاقية حقوق الطفل.
5 – وبما أنّ ضحايا النظام سواءٌ قتلاً أو اعتقالاً لم يكونوا من الأطفال فقط إنما استُهدف الكبار أيضاً، لذلك فإنّ الآلاف من الأسر السورية اضطر أولادها من الأطفال إلى الالتحاق بسوق العمل والاشتغال بأعمال قاسية وخطرة من أجل تأمين لقمة العيش لأهلهم.
6 – ولقد بالغَ النظام في إجرامه ووحشيته بحق أطفال سورية عندما استخدمهم كدروع بشرية في كثيرٍ من المناطق عند اقتحامها.
7 – ومن الجرائم التي لا تغتفر بحق أطفال سورية حرمان الآلاف من اللقاحات الضرورية وعدم حصول المصابين منهم على العلاج اللازم نتيجة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية مقابل الأعداد الهائلة من الأطفال المصابين، وبسبب استهداف النظام للمشافي والمراكز الطبية في المناطق الخارجة عن سيطرته. والتي فرضَ عليها الحصار القاسي وتكشف تقارير اليونيسيف عن مئات الأطفال الذين قضوا نتيجة فقدان الأدوية، ومثلهم الذين اضطر الأطباء لبتر أعضائهم لعدم توفر المستلزمات الطبية.
8 – وكان الحصار الذي فرضه النظام على عدة مناطق في سورية سبباً بوفاة الكثيرين من الأطفال جوعاً أو إصابتهم بأمراض نقص التغذية.
9 – أما على الصعيد النفسي فحدّث ولاحرج، لقد أشارت منظمة اليونيسيف في أحد قراراتها المتعلقة بأثر الحرب على الأطفال في سورية على لسان مدير مكتب حلب للمنظمة السيد رادوسلاف رزيهاك (أنّ الحرب في سورية أحدثت أثراً سلبياً واضحاً على نفسية الطفل، وأن جميع أطفال حلب يعانون من الصدمة، وأنّ أكثر من 100 ألف طفل بحاجة إلى رعاية نفسية عاجلة، وأضاف أنّ أكثر المشاكل صعوبةً هي المشاكل النفسية المتعلقة بالخوف من النوم بحيث بخاف الأطفال لو ناموا أن يستيقظوا على أصوات الطائرات والانفجارات والرصاص، أو على الجنود قائمين فوق رؤوسهم مشهرينَ أسلحتهم).
أما وقد أصبح ذاك الطفل في عامه الثامن، والذي كان في أول المشي عند انطلاق الثورة فقد كان فرحاً جداً بالدراجة التي وعده أبوهُ بها..
لكنْ بغتةً مرّتْ كالبرق..
وبغتةً أيضا ألقتْ حممها، وغابت..
ومصادفةً لم يمت أحد..
حتى الدراجة لم ينَلْها سوى بعضٌ من غبار القصف..
إنّما عمداً كان الطفل قد فقد ساقيه..
وقهراً التُقطتْ صورةٌ تذكاريةٌ له وهو يعتلي الدراجة بلا ساقين…
Sorry Comments are closed