في اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة تبدو المناسبة فرصة للتذكير بواقع المرأة السورية التي مازالت عالقة بين “وقاحة” العادات والتقاليد من جهة، والقوانين غير المنصفة لها في بلدها، ويصح إطلاق تعبير “القوانين الجائرة” التي يستمد الكثير منها من أحكام الشريعة الاسلاميه، القاسية منها على وجه الخصوص، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأحكام بالفعل متحيزة للرجل أم أنه جرى تفسير وتطبيق من منظور فهم خاطئ لها، لكن النتيجه تبقى نفسها.
النتيجة تقول أنه باسم الدين والموروث الثقافي والاجتماعي مازالت المرأه في وطني مخلوقاً من “الدرجة الثانية”، مكبلة بقيود مجتمع ذكوري غير قابل بمقتضيات الانفتاح على منجزات الحضارة، والتطور، وما انفك يمارس قمعه وعدوانيته تجاهها بدون أي سبب يذكر، ولعل مبرره الوحيد في هذا السلوك المدان، أنها أنثى (ولا تستطيع ) وذلك من منظوره القاصر عن إدراك مقدراتها وحقوقها.
هذا المنظور يحكم عليها بالحرمان من كثير من الحقوق والمزايا التي تمنح للرجل، وعليها تقبّل الواقع برحابة صدر والتأقلم مع الأغلال المفروضة عليها دون المطالبة الإقرار لها بالحد الأدنى للحقوق.
ومع ذلك لم يعفها هذا المنظور المتهافت يوماً من القيام بواجباتها، سواء الأسرية منها، أو المجتمعية، بل يحتم عليها القيام بها على أكمل وجه والانصياع للأوامر وتطبيقها دون اعتراض.
وعلى الرغم من جمال شعارات ونبل أهداف ومطالب الثورة السورية، إلا أن خطاب مؤسسات وقادة الحراك الثوري والمعارض ظل قاصراً وخجولاً ولم يتطرق بجدية لموضوع واقع المرأة السورية وتبني المطالبة بحقوقها، وهذا ما رآه البعض خطأً أو سبباً من أسباب كثيرة أدت إلى تعثر الثورة، علما أن المرأة السورية كانت عنصراً أساسياً ومركزياً في مسيرة الثورة وكان لها دور بارز في أحداثها وتضحياتها، تجلى بظهورها ناشطة فاعلة أو ممرضة أو معتقلة رأي أو شهيدة.
ومما زاد الأمور تعقيداً أن هذا المخلوق الهش الضعيف وأقصد هنا المرأة السورية، كان عليه أن يواجه آلة الحرب القاسية وظروف النزوح واللجوء المؤلمة وهو بالاصل غير مؤهل لهذا، ولم تمتد لها يد أحد أو جهة لمساندتها في المعاناة المرعبة التي وجدت نفسها وعائلتها وشعبها فيها.
ومع بروز ظاهرة اللجوء إلى الدول الاوربية، تعرفت المرأة السورية إلى عالم جديد لم تكن تعرفه قط عندما كانت في عزلتها الطويلة التي عاشتها على أرض الوطن، لتبدأ رحلة جديدة من المواجهة مع واقع مختلف عن واقعها في كل شيء.
فهي إلى جانب مسؤولياتها وصعوبات الحياة الجديدة في بلاد اللجوء، صادفت تحدياً جديداً يمس قناعاتها وطموحاتها، حيث لم تتوقع يوماً أن هناك، في الجزء الثاني من الكرة الارضية، يوجد عدالة ومساواة بين الرجل والمراة، وأن هناك حقوقاً للمرأة تعيشها وتتنعم بها، لا بل يمكنها المطالبة بمزيد من الحقوق!
حينذاك.. عاشت صراعاً جدياً بين المفاهيم التي ترعرت عليها وظنت أنها ثوابت لا يمكن تغييرها، وواقع آخر مختلف تماماً عما كانت تعيشه أو حتى تتخيله في ذهنها، فما كانت تظنه واجبات لوقت طويل اكتشفت أنها لم تكن واجبات عليها وإنما أرغمت على فعلها، وماكانت تظنه أنه محرم بنظر المجتمع، وجدته حقوقاً لها حرمت منها دون علمها، فكانت النتيجة الطبيعية لهذا الصراع هو صدمة وغشب دفعاها للمطالبة بالتحرر كحق شرعي وبديهي لها.
هذه الصدمة والتعامل الجديد مع منظومة حقوق غير متوقعة أنتجت على أرض الواقع حالة قانونية مفاجأة للبعض، تمثلت في ازدياد كبير في حالات الطلاق، وهي ظاهرة اعتبرها البعض “مرضاً خبيثاً” أصاب السوريين وعائلاتهم في بلدان اللجوء، وصنفها البعض الآخر بأنها “الجريمة الأبشع” في بلاد اللجوء، وأنها إعلان واضح من المرأة السورية عن العصيان والتمرد، متجاهلين الأسباب والدافع التي أنتجت هذه الظاهرة المربكة للمجتمع.
هذه الظاهرة لم تكن مستغربة لو نظرنا إليها من منطلق واقعي، فما هي إلا نتيجة طبيعية لواقع مرير عانت منه وعايشته المرأة السورية لسنوات طويلة، لا بل يمكننا القول إنها حالة صحية وتغيير منطقي في مجرى تاريخ وعي المرأة السورية، وإعلان صارخ عن ولادة حقيقية لها.
ولا ينتقص من أهمية هذه الظاهرة والتوقعات الإيجابية بشأنها إساءة استخدام بعض النساء السوريات لحقوقهن المشروعة في نيل حقوقهن ورفع الظلم عنهن، فالمرأة السورية لم تعتد من قبل على التعامل مع منظومة حقوق وقوانين تعطيها مكانة مساوية لمكانة الرجل، وتجعلها نداً له في الحقوق والواجبات، لكن هذه “الإساءات” في استعمال الحق، لايغير من الواقع شيئاً فحاجتها لهذه المطالب والحقوق كحاجتها للماء والهواء.
ويبقى السؤال الممزوج بالأمل: هل سيأتي يوم ونرى فيه المرأة السورية وقد تحررت من كل التقاليد البائسة الظالمة والقيود الجائرة، وفرضت حضورها وواقعها الجديد على هذا المجتمع؟؟
عذراً التعليقات مغلقة