سبق الاحتفاء بحافظ الأسد الثاني في حارات دمشق القديمة رفع الأب بشار على الأكتاف بعد تمثيلية مختطفي السويداء وتحرير جيش النظام لهم من قبضة داعش؛ ويعبر المشهدان بواقعية عن غرابة الحالة السورية وعودة مظاهر تمجيد الأسد ونظامه من جديد بعد ارتكابه موبقات فاقت حد الخيال ارتكبها بحق سورية والشعب السوري.
في وقت مبكر من عمر الثورة عايشت حالة غريبة في ندوة لاتحاد الكتاب العرب حضرتها صيف 2011؛ كان محيراً الدفاع الشرس عن مواقف النظام الذي واجه به الحضور سجينٌ سياسيّ يساريّ سابق قضى سنوات طويلة في سجون الأسد؛ وفيما بعد ظهرت حالات كثيرة مشابهة ولم تعد تلك الحالات استثنائية.
في محاولات فهم وتحليل ذلك السلوك الصادم وتأييد الضحية للجلاد جرى تصنيفه في ظاهرة نفسية حديثة يطلق عليها متلازمة ستوكهولم وهي تشير لحالة نفسية غريبة يتحول فيها الشخص الواقع تحت العنف والتعذيب للتعاطف مع المضطهدين له وإبداء ولائه لهم؛ ويفسر ذلك لشعوره بفقدان القدرة على المواجهة واعتقاده أن مصيره بات كلياً بيد مضطهديه.
ظهر هذا المصطلح إثر حادثة سرقة بنك في ستوكهولم؛ فقد أدت العملية التي امتدت عدة أيام لبروز حالة غريبة من التعاطف بين الرهائن تجاه الخاطفين وتحولهم للدفاع عنهم ورفض تقديم شهادة ضدهم؛ لا بل عملوا على جمع الأموال لمساعدتهم في عملية التقاضي؛ ومن دراسة تلك الحادثة وتحليلها جرى إطلاق المصطلح وتعميمه على حالات مماثلة ومنها حالة تأييد النظام السوري إثر الثورة السورية وتداعياتها.
في مواجهة طوفان الثورة السورية ربط النظام مؤيديه بشبكة منافع ومصالح قائمة على أسس طائفية ومناطقية؛ وغض الطرف عن ممارساتهم في الخطف والتعفيش والنهب والفساد وأبواب الارتزاق غير المشروعة؛ ورغم ذلك كان ينتظر اندلاع حركات احتجاجية في أوساط المؤيدين مع سقوط أعداد كبير من القتلى في صفوفهم وظهور طبقة من الأرامل وتردي أوضاعهم المعيشية والاجتماعية؛ لكنهم واصلوا الدفاع أكثر عن سياسات النظام في القتل والقصف والتهجير والاحتفال بسقوط ضحايا في المناطق الثائرة؛ ومن ثم قاموا باعتماد البوط العسكري شعاراً لهم حيث كانت تجري طقوس لرفع البوط فوق الرؤوس وتزيينه بالورود وإقامة النصب له في الساحات العامة.
لكن الحالات التي ظهرت في المناطق الخاضعة حديثاً لسيطرة النظام ومناطق المصالحات ربما تكون أكثر تطابقاً مع وصف متلازمة ستوكهولم؛ حيث عادت وبقوة مظاهر الرياء المعروفة وإعلان تأييد النظام والندم للوقوف سابقاً ضده والتراجع عن خط الثورة وإدانته؛ ولا يمكن تبرير تلك التصرفات والمبالغات في مظاهر الاحتفال على خلفية الضغوط التي يمارسها النظام والظروف الصعبة التي يمر بها الأهالي؛ حيث يمكن الاقتصار على إبداء الحدود الدنيا القسرية في إشارة للاحتجاج على همجية النظام وفظائعه؛ وما يثير الحنق أكثر صكوك البراءة التي تنهال على النظام وتدعو للتطبيع معه رغم الدوافع السياسية والبراغماتية وراءها.
لا يكترث النظام بصدق المشاعر المرافقة لطقوس التأييد ولا تزعجه مظاهر الرياء والنفاق فهي تقلل من قيمة ومصداقية فاعليها بالدرجة الأولى؛ وهذه الطقوس هي كلمة السر التي اعتمد عليها النظام في هيمنته المطلقة على كافة مفاصل المجتمع السوري؛ ولذلك يكرسها في كل زمان ومكان وينشر الصور والتماثيل والشعارات على امتداد الجغرافيا السورية وفي الصحف والإذاعة والتلفزة والمناهج المدرسية وجميع الفعاليات الثقافية والفنية والوطنية ويجبر الجميع على ممارستها؛ ويريد من خلال تلك الممارسات فرض صورة نمطية في الوعي الجمعي تعبر عن سطوته الخفية الخارقة.
لم يكن النظام بحاجة لمعرفة طقوس متلازمة ستوكهولم حيث فرض ذلك على السوريين وجعلهم أمثلة نموذجية عنها؛ بعد مجازر الثمانينات في حماة وتدمر وحلب وجسر الشغور وغيرها استطاع النظام إرجاع السوريين لحظيرة الطاعة؛ فهل ينجح في ذلك مجدداً على خلفية تداعيات الثورة السورية؟.
قبل نحو قرن من الزمان دخل غورو محتلاً دمشق حيث حملت عربته على الأكتاف بعد انجلاء معركة ميسلون وسقوط الشهداء؛ ويخشى أن يكون الشعب السوري دون غيره مصاباً بداء تقديس الطغاة والهتاف بحياة جلاديه.
كما تكونوا يولى عليكم ولا بديل أمام السوريين سوى الاستمرار في ثورتهم العظيمة حتى كنس نظام عصابة الأسد.
عذراً التعليقات مغلقة