مجازر دير الزور.. التحالف ينفي والائتلاف يدين وناشطون يوثقون

فريق التحرير20 نوفمبر 2018Last Update :
قصف جوي على سوق في مدينة البوكمال بمحافظة دير الزور – أرشيف

أحمد زكريا – حرية برس

“سلسلة من المجازر”، هو العنوان الأبرز لما يجري من تطورات وأحداث شرقي دير الزور، منذ أن أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، بدء عمل عسكري لطرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من منطقة “هجين” وما حولها، قبل عدة أسابيع.

وكان آخر تلك المجازر، بحسب ناشطين، ‌‎مقتل نحو 43 شخصًا بينهم 29 امرأة وطفل، في غارات من طيران التحالف الدولي، صباح السبت، على قرية “أبو الحسن” شرقي دير الزور.

وتشهد تلك المنطقة عمليات عسكرية متصاعدة بين تنظيم “داعش” من جهة، وميلشيا “قوات سوريا الديمقراطية” بغطاء من طيران التحالف الدولي من جهة أخرى، في حين يتواجد ما يقارب من 50 ألف مدني محاصر في بلدات “هجين، والسوسة، والباغوز، والشعفة” الخاضعة لسيطرة “داعش” بريف دير الزور الشرقي.

وأسفرت غارات التحالف التي تطال المناطق المأهولة بالسكان بشكل مباشر، عن سقوط مئات المدنيين بين قتيل وجريح، حيث شهدت مدينة “هجين” لوحدها مقتل أكثر من 30 مدنيًا جراء تلك الغارات العشوائية، بحسب ما تم رصده من شبكات توثق وترصد الأخبار من تلك المناطق.

الائتلاف يدين والتحالف الدولي ينفي

وأدان الائتلاف الوطني السوري المعارض وفي بيان له، الخميس 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، بشدة هذه العمليات، وطالب بوقف فوري للغارات التي تستهدف مناطق مدنية بغض النظر عن أي مبررات، مشدداً على ضرورة إجراء تحقيق في هذه الجريمة وفي جميع الجرائم التي تطال المدنيين، ومحاسبة المسؤولين وضمان عدم تكرار الجرائم.

إلا أن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، نفى وفي بيان له، السبت، استهداف مقاتلاته الحربية لمدنيين في شرقي محافظة دير الزور بتاريخ (16-17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري)، متهماً أطرافاً أخرى دون تحديدها بشن غارات جوية هناك.

وبحسب البيان، فإن الغارات استهدفت مواقع لداعش في وادي الفرات الأوسط، وأن ذلك جاء في إطار دعم عملية عسكرية برية، وتثبتت قوات التحالف بأنها أهداف مشروعة لداعش، وأثناء الغارات لم يكن هناك أي مدنيين بالمنطقة، لافتًا في الوقت ذاته، إلى أن مصادر إعلامية عديدة ادعت مقتل مدنيين في غارات للتحالف الدولي على مواقع لـداعش في منطقة هجين بدير الزور.

وأشار البيان إلى قوات التحالف سجلت وقوع 10 هجمات في منطقة “هجين”، لم يكن مصدرها قوات التحالف أو شركائها، ووقعت دون التنسيق معها أو الحصول على موافقتها، وطالبت قوات التحالف الأطراف الأخرى بوقف كافة الهجمات التي لا يتم تنسيقها معها في الجهة المقابلة من نهر الفرات.

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تحقق وتوثق

وتعليقًا منه على بيان التحالف الدولي ومحاولته نفي التسبب بوقوع مجازر في منطقة هجين وماحولها بحق المدنيين، قال “فضل عبد الغني” مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تصريحات خاصة لحرية برس: نحن نحقق بهذه الحوادث وهذه المجازر وسنكتشف قريباً من الجهة التي قامت بهذه المجزرة”.

وتابع قائلًا: بالنسبة للتحالف الدولي هم معترفون بحوادث وتم نشرها، ولدينا قائمة بها ونحن قاطعناها مع قاعدة البيانات لدينا الخاصة بالتحالف الدولي فتبين لنا أنهم معترفون فقط ب 30% من الحوادث، بينما هناك 70% من الحوادث نحن نقول إن قوات التحالف هي من ارتكبها لكنهم غير معترفين بها.

وأضاف، أنهم طالبوا الخارجية الأمريكية بضرورة أن يكون هناك تركيز أكبر على التحقيقات، وقال “عبد الغني”: كنت منذ حوالي شهر بأمريكا والتقيت بالخارجية الامريكية والبيت الأبيض، ودائما كنت أطلب اللقاء مع البنتاغون لكن ليس هناك أي تجاوب مع طلباتنا، ومن الضروري أن نجتمع مهم لاطلاعهم أن لديهم أخطاء وأنهم لا يقوموا بالتحقيقات والموارد ليست كافية لهذه التحقيقات، وبالتالي لا يقومون فيها على الوجه الصحيح ومن ثم هم ينفون تلك الغارات.

وأشار، إلى أنه لا بد على الإدارة الامريكية أن تبدأ عمليات تعويض الضحايا وعمليات إعادة الاعمار بهذه المناطق وهذا الامر لم تقم به الولايات المتحدة حتى الآن.

ونقل لنا مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عددًا من “التوصيات” إلى القيادة المشتركة لقوات التحالف الدولي، ومن أبرزها أنه يجب على قوات التحالف الدولي احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي العرفي، وبالتالي فإنَّ دول التحالف الدولي تتحمَّل مسؤولية الانتهاكات التي رصدنا بعضها في هذا التقرير.

وطالب “عبد الغني” قيادة التحالف بأن تتحمل التبعات المترتبة عن هذه الانتهاكات كافة، وتحاول بأقصى ما يمكن تجنب تكراره زيادة الفريق العامل في متابعة وتحقيق الحوادث، وبذل جهود وإمكانيات أكثر في هذا المجال. وإعداد خريطة بيانات تُظهر المناطق الأكثر تضرراً من الهجمات الجوية.

وشددّ “عبد الغني” على ضرورة الدفع باتجاه البدء في معالجة الآثار الاقتصادية والمعنوية لتلك الهجمات، ومتابعة الانتصار العسكري على تنظيم “داعش” وتخليص بقية المناطق من آثاره، والعمل الجدي على تأسيس قيادة مجتمعية ديمقراطية يُشارك فيها بشكل فاعل أبناء تلك المناطق، ومحاسبة علنية وعزل لكل من أثبتت التَّحقيقات تورطه في الهجمات على المعابر المائية.

نحو 10 مجازر في أسبوعين

الصحفي “صهيب الجابر” والناطق باسم “شبكة فرات بوست” قال لحرية برس: إنه وخلال أسبوعين استشهد أكثر من 250 مدنياً خلال غارات التحالف الدولي على المناطق الخاضعة لسطوة تنظيم الدولة في ريف دير الزور الشرقي، أكثر هذه المجازر فظاعة كانت فجر الخميس، عندما قصفت طائرات التحالف منطقة “البوبدران” في ناحية “السوسة” بالقرب من ريف البوكمال، مخلفةً أكثر من 20 شهيداً جلهم من عائلة حميد الصالح العبد الله، وهم نازحون من بلدة “الباغوز”.

وتوزعت المجازر المرتكبة في تلك المناطق، بحسب الجابر، على النحو التالي: ثلاث مجازر في بلدة الشعفة، وأربع مجازر في بلدة السوسة، ومجزرتين في مدينة هجين، وباقي الشهداء سقطوا في أماكن متفرقة.

وأضاف، أن الاستهداف كان مباشراً وبشكل عشوائي على مناطق نفوذ التنظيم ودون تمييز بين مدنيٍ وعسكري، وما يؤكد هذه المعلومات هو أعداد الأطفال الذين يشكلون أكثر من نصف عدد الشهداء، وعلى عكس رواية التحالف بأن التنظيم يتخذ هؤلاء دروعاً بشرية، فإن المعلومات أكدت أن الفترة الأخيرة شهدت تغاضٍ عن كل من يريد المغادرة.

وعن أوضاع المدنيين المحاصرين الإنسانية قال “الجابر”: إنه ومنذ بداية العام الجاري لا يوجد أي شكل من أشكال الرعاية الطبية، ويتضح هذا العجز في كل مرة تغير طائرات التحالف على هجين ومحيطها، حيث تزداد حصيلة الشهداء خلال ساعات نظراً لانعدام الرعاية الطبية، أما بالنسبة للوضع المعيشي فلا توجد كلمات تصفه، رقعة جغرافية صغيرة لا تتجاوز الـ30 كم محاصر فيها أكثر من 50 ألف مدني منذ بداية العام الجاري، ولا تدخل إليهم المواد الغذائية إلى بعد مفاوضات التنظيم التي أصبحت روتينية وعندما تدخل هذه الشحنات تكون وجهتها عادةً مقاتلي التنظيم وعوائلهم.

سياسة الأرض المحروقة

وفي ردّ منه على سؤال حول الأسباب التي تدفع التحالف الدولي لاتباع سياسة الأرض المحروقة في قصف تلك المناطق أوضح “الجابر” أن البعض ذهب للترجيح بأن استخدام التحالف سياسة الأرض المحروقة، هو دليل عجز عن تحقيق الانتصار على التنظيم الذي تمرس مقاتلوه على المعارك في البادية، والذي يحمل قياديه استراتيجية تنظيم القاعدة في القتال “الصعبة الهزيمة”، في حين أن البعض الآخر من أهالي المنطقة الشرقية، رجحوا أن هذه السياسة ما هي إلا عقوبة جماعية لمن اختار البقاء في بيته وأرضه بدلاً من الذهاب إلى معتقلات “قسد” العنصرية التي تطلق عليها “مخيمات”، أما أفراد الميليشيات المدعومة من التحالف أنفسهم فقالوا إن هذه الطريقة هي خير طريقة لاستنزاف التنظيم.

ولفت، إلى أن المفاوضات بخصوص المدنيين واخراجهم ما تزال مستمرة رغم فشل الجولة الأخيرة منها، واستئناف المعارك مجدداً، مبينًا أن التنظيم دائماً يقايض جثث مقاتلي “قسد” والأسرى بإدخال مواد غذائية أو إخراج قياديين من سجون “قسد”، وهنالك معلومات أشارت إلى أن تنظيم الدولة يحتفظ بأكثر من 800 أسير بينهم صحافيون، رهبان، قياديون من جهات متعددة، وشخصيات مهمة ويفاوض بهم من مصدر قوة، لهذه المعطيات وللأسف نستطيع أن نقول أن الأيام القادمة ستكون قاسية على المدنيين المحاصرين بين مطرقة “داعش” وسندان “قسد”، خصوصاً وأنهم خارج جميع المعادلات ولا يوجد ولا جهة دولية واحدة أو منظمة طالبت بتأمينهم.

ضحايا ومفقودون وهاربون من الغارات

من جهته، قال الناشط الإغاثي “علي أبو سلمان” في حديثه لحرية برس: إن أعداد القتلى وصلت إلى 103 بينهم 48 طفلاً و32 امرأة ، من ضمنهم 49 من الجنسية السورية بينهم 23 طفل و15 امرأة ، أما باقي القتلى فغالبيتهم من الجنسية العراقية من عوائل عناصر في تنظيم داعش ممن قتلوا في “هجين والشعفة والسوسة” خلال 7 أيام من القصف العنيف لطائرات التحالف الدولي، أي منذ يوم الخميس 8 من شهر تشرين الثاني الجاري وحتى ما بعد منتصف ليل الأربعاء الخميس الـ 15 من الشهر ذاته، فيما لا يزال عدد الذين قتلوا مرشح للارتفاع لوجود عدد كبير من الجرحى والمفقودين.

وتابع: بذلك يرتفع إلى 185 مدني على الأقل، بينهم 69 طفل و44 امرأة قتلوا في الجيب الأخير لتنظيم داعش، من ضمنهم طفلتان قتلن في القصف من قبل مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية”، والبقية قتلوا في ضربات التحالف ومنهم من الجنسية العراقية ومن عوائل عناصر تنظيم “داعش”، بينهم 5 أشخاص فقط قتلوا في الشهر الأول من العملية العسكرية، بالإضافة للطفلتين اللتين قتلتا في قصف لقسد، وذلك منذ 10 من أيلول الجاري، وطالت ضربات التحالف الدولي مسجدين ومعهد لتحفيظ القرآن في بلدة “السوسة “ضمن الجيب الخاضع للتنظيم في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، غالبيتهم من الجنسية العراقية وبينهم عوائل من عناصر تنظيم داعش، وفي ضربات استهدفت منزلاً في قرية “البوبدران” وفي غارات على هجين والشعفة.

وأشار، إلى أن سكان هذه المنطقة في الجيب المحاصر شرق الفرات، يعانون ومنذ بداية العملية العسكرية على بلدة الباغوز بالتحديد من النزوح على شكل مجموعات صغيرة خوفاً من استهداف طائرات التحالف الدولي، خاصة عند تقدم مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” وسيطرتها على بلدة الباغوز وأجزاء من السوسة.

وأضاف، أن العائلات التي كانت متواجدة في مناطق “باغوز فوقاني، وبساتين المراشدة، والحاوي”، فروا إلى الأحياء الداخلية للسوسة وبالقرب من “الكشمة والشعفة” في ذات الجيب، في حين تندر المواد الاغاثية والطبية والغذائية لعدم السماح للشاحنات المحملة بالأغذية بالدخول إلى بلدة “الشعفة” التي يقدر أعداد المدنيين فيها بنحو 4000 مدني من النساء والأطفال، فيما يقدر أعداد باقي المدنيين في بقية الجيب متوزعين في “الكشمة، والبوبدران، والسوسة” بنحو 2000 مدني.

الضغط على “داعش” للاستسلام

وبين “أبو سلمان” أن طيران التحالف الدولي يعمد منذ استكمال العملية العسكرية ضد تنظيم “داعش”، إلى تكثيف الضربات الجوية التي غالباً ما تستهدف تجمعات سكنية أو مساجد، ما تسبب بوقوع أعداد كبيرة من المدنيين كنوع من الضغط على التنظيم للاستسلام أو الخروج مناطق شرق الفرات، إضافة للقصف الصاروخي والمدفعي من قبل قوات سوريا الديمقراطية.

ولفت، إلى أنه جرت في السابق عمليات تفاوضية بين مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” وتنظيم “الدولة الإسلامية” عبر وسطاء محليين، لمحاولة إخراج بعض النساء “الايزيديات” المعتقلات لدى التنظيم منذ استيلاء التنظيم على مدينة الموصل العراقية، وذلك مقابل شحنات غذائية وطبية تدخل إلى هجين، العملية نجحت وتم إخراج بعض النساء لكنها لم تتكرر لأسباب مجهولة.

قصف التحالف غير مبرر

بدوره، لفت مدير منظمة العدالة من أجل الحياة “جلال الحمد” في حديثه لحرية برس، إلى أن أبرز حالات القصف التي أدت لسقوط ضحايا هو القصف على قرية “السوسة” وعلى بلدة “هجين”، مشيرًا إلى أن القصف كان على مواقع مدنية مكتظة بالمدنيين ما يجعل أرقام الضحايا غير أكيدة لسببين: الأول هو عدم قدرة هؤلاء الناس بالداخل على التواصل بشكل مستمر، والثاني هو عدم قدرة الكثير من المدنيين الذين بقوا على الخروج، ولذلك ليس من السهل التأكد من الأرقام.

وتابع “الحمد” قائلًا: إننا نؤكد سقوط نساء وأطفال، ونحن على الأقل في المنظمة سجلنا مقتل 3 أطفال نتيجة القصف على هذه المناطق هم من بلدة “موحسن” لكنهم متواجدون في هذا الجيب المحاصر، وأيضا سجلنا قصف بجوار جامع عثمان بن عفان وبجوار جامع خالد بن الوليد أدى لسقوط ضحايا من المدنيين.

وأضاف، أنهم في المنظمة لا يستطيعون التأكيد أن التحالف الدولي يتبع سياسة الأرض المحروقة، إلا أنه على الأكيد هناك ضحايا من المدنيين نتيجة القصف ونتيجة المعارك، مؤكدًا في الوقت ذاته أن هذا لا يبرر ما يجري وعدم العمل بجد لتجنيب المدنيين قدر الإمكان ويلات ما يجري في “ناحية هجين” والقرى والبلدات التابعة لها.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل