أبرز ما يميز أي حكم سادي وديكتاتوري في العالم وعلى مر العصور المتعاقبة، هو لجوء السلطان دائماً إلى مؤسسات يصنعها بيده وينظم قوانينها وأنظمتها الداخلية ويقرر حدود وظائفها وصلاحياتها، والتي تصب دائماً في بوتقة واحدة هي الولاء المطلق لشخصه والتطبيل والتزمير لإنجازاته وانتصاراته التي غالباً ما تكون وهمية بحكم أن أي سلطة ديكتاتورية تنشغل في كيفية خضوع الناس لقوانينهم وأحكامهم الجبرية، والتي لا يجب في حال من الأحوال أن تنشغل عن التسبيح بحمد السلطان وسرد لدائم أعماله وعطاءاته وإلى ما يشبه السجود إن أمكن لصوره وتماثيله وخطاباته، والبحث الدائم في أمهات الكتب عن لغة حجرية تجيد المدح والوصف والهجاء لأعدائه ومنافسيه ومعارضيه.
وكمثال حي على هذه الدكتاتوريات المقيتة، “سوريا”، حيث يرزح الشعب هناك لواحدة من أعتى السلطات الجبرية في العالم، والتي تجثم على أرض مباركة وأرض حضارات متعاقبة قدمت للبشرية الكثير من العلوم والمعارف.
اجتمعت في سوريا قبل مدة قريبة ما يسمى باللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم زوراً وجبراً دون معرفة لجدول أعمال محدد أو معلن، ولعل هذا الاجتماع قد تم لتهيئة منبر مناسب لا يلفت النظر لرسالة أراد رأس النظام ورأس كل شيء في البلاد توجيهها إلى مواليه ومعارضيه والمتن يقول: إنه لابد في المرحلة المقبلة والتي تتبع نصره المزعوم على الإنسان والقيم والحضارة من العمل على تأهيل الشرائح المجتمعية التي انتفضت على حكمه وأدوات قمعه وفساده وإفساده.
ومع كل الإيمان المطلق بشرعية وأحقية المطالب التي أرادتها تلك الشرائح، وناضلت وقدمت في سبيل تحقيقها مهج أفئدتها وأرواح أبنائها وأنقى دمائها بإرادة صلبة وشجاعة جابهت العالم بأسره بكامل تعسفه وجبروته وطغيان قوته ومكر اجهزته، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق معجزة العصر، حتى تنادت كواسر العالم وجمعت كامل قوتها وخبراتها واستخباراتها ومخبريها وأدواتها لتستطيع إجبار الحصان على أن يكبو، وليس عيباً أن يفعل، وإن كان للباطل جولة فللحقّ جولات.
ولو أننا افترضنا مشكلة ما في خطاب وأداء تلك الشرائح ولا بد من العمل على تصويبها وتقويم طريقها، لا يبدو هذا النظام السخيف والبائس متهيئاً لا فنياً ولا أخلاقياً لفعل ذلك، فكل مشكلة لديه وكل معضلة تعترضه وكل ما يهدد كيانه ووجوده يتم حله وسحقه في مكان واحد، هو أقبية الظلام ومسالك التعذيب ومقابر الموت.
الشريحة التي يريد فخامة القاتل تأهيلها، تمثل ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان، فإن وجدت جدلية كهذه وطرحت على كل ذي لبّ يعرف وبشكل بديهي أن المصيبة في نظام القمع والتعسف والذي منذ تسليمه دفة حكم في واحدة من أطهر وأنقى بقاع الأرض وشعب من أكثر الشعوب انفتاحاً وابداعاً قد نفذ بدقة إرادة من نصبه ودعمه ليضمن نهجاً ومساراً رسمه وأراده لهذه البقعة.
الشعب وحده الذي يؤهل الحاكم وفق إرادة جمعية توافقية ارتضاها، والشعب وحده الذي يملك أن يعفو أو أن يعاقب أي حاكم من خلال مؤسسات قانونية وافق على إنشائها وانتخاب أعضائها.
تصوروا في عصر التطور والعولمة والحداثة وحقوق الإنسان، أنه في دولة قائمة يرضى عنها أسياد العالم وناضلوا وقتلوا وفتكوا لبقائها وبقاء رأسها، تتم محاكمة الرئيس في حالة واحدة سميت بنص القانون بالخيانة العظمى، والجهة الوحيدة المخولة بإجراء المحاكمة تسمى بالمحكمة الدستورية العليا، والمفارقة العجيبة والغير مسبوقة، أنه هو من يعين أعضاءها وقضاتها بنفسه، هذه هي “سوريا الأسد” المحمية التي اقتطعها فلاسفة العالم الحر لواحدة من أرذل أسرها وأشدها إجراماً.
Sorry Comments are closed