عدنان عبد الرزاق
ترى، لماذا لم نسمع يوماً عن ناشط طبي أو هندسي أو حقوقي، في حين تعج المنطقة وسورية على وجه الخصوص، بالناشط الإعلامي.
ونسمع ونرى على نحو مستمر، دعوات لإعادة قراءة الأديان وإعادة النظر بدساتير البلاد، ولم يشر أحد لضرورة إعادة النظر بالصحافة والصحافيين، رغم أن الإعلام ربما، أكثر أثراً وتأثيراً وتكويناً للرأي العام أو تغييره، حتى من بعض المذاهب والأديان.
فهل الإجابة تكمن بأن الصحافة مهنة بلا أس وأساس، وسهلة التعلم والمزاولة، أم هي مهنة بلا قواعد أصلاً، وأشبه ما تكون بدابة قصيرة يمتطيها من يشاء.
لماذا هذا السؤال الذي يبدو بشكله “فزلكة” وبغير أوانه؟!
صراحة، لأن ما فعله “المتصيحفيون” حتى على صعيد المساهمة بتهديم سوريا وتقديم الذرائع لمن أراد حرف الثورة عن سكتها، ربما لم يقدمه سواهم، بمن في ذلك هواة السياسة ومرضى الضوء والمال.
ويكفي أن نعود بالذاكرة لبداية الثورة السورية عام 2011، وقت انتشر “النشطاء” وباتوا مصادر معتمدة لوسائل إعلامية عربية ودولية كبرى، وكيف كانوا يسوّقون، كل ما تتطلبه “أجندات” تلك الوسائل وسياساتها التحريرية، وبالأخص، ما يتعلق بترويج أسلمة الثورة وترويج القتل.. حتى باتت ثورة السوريين التي يصنفها كثيرون، بأنها الأحق والأكثر عدلاً ومشروعية بالعصر الحديث، حربا على الإرهاب، أو بأحسن الأحوال، حربا أهلية أو طائفية.
لئلا يتحمل “النشطاء” كل أسباب ووزر حرف الثورة، من المنطق أيضاً، الإشارة إلى أدوار وأسباب كثيرة، بمقدمتها الإرادة الدولية بعدم نجاح الثورة والمصالح الإقليمية والدولية التي حولت الثورة لورقة وسوريا لساحة تصفية حسابات واقتسام مصالح.
وأيضاً دور من امتهن السياسة لأنه “سجين سابق” أو رأى فيها، الطريق الأقصر للشهرة والمال والارتباط.
وصراحة أكثر، لأن هؤلاء الهواة والنشطاء، بلغوا اليوم، وبعد مراس وتمويل وتبنِّ، مواقع أصحاب قرار بالعديد من الوسائل والمنابر الإعلامية، في حين لم تتبدل ذهنية “الناشط” التي لا تعرف التفريق بين “السبق والخبطة” وبين آثار “المعلومة أو التسريبة” وعقابيها المستقبلية، على القضية والمهنة، بل وحتى الإنسانية.
أو بالحد الأدنى، دخل هؤلاء النشطاء من نوافذ وأبواب خلفية، ككتاب وصحافيين، إلى وسائل إعلامية، مرئية ومكتوبة، وباتوا اليوم بمصاف المحللين وكتاب مقالات الرأي.
بنطرة أكثر شمولية وموضوعية، ربما يأتي السؤال، وما دخلكم أنتم بهم، هل تخافون على “رزقكم” أو مواقعكم منهم، أليست كعكة الإعلام كبيرة ومعظم الدول الغنية والنفطية منها خاصة، تعتمد تفريخ الوسائل الإعلامية كقوى ناعمة، لتحقيق أهدافها الخشنة.
أكيد، أو بلغة إعلامية بعيدة عن البت والتأكيد والإطلاق، على الأرجح، إذ ليست القضية خوف ورزق ومكاسب، بقدر ما هي تراكم آثار ومخاطر، سببها هؤلاء، وقد لا تتخلى على القضايا المحقة، كالثورة السورية، بشكل آني وعاجل.
فأن تتلقف وسائل إعلامية ذات مشاريع بعيدة عن أهداف السوريين، الجهابذة الجدد، وتمرر عبر “سذاجتهم”، ما تريد أن توصله للمتلقي، فوقتذاك، يكون الضرر عاماً ومن حق الجميع، وأهل الكار والتخصص أولاً، الدفاع عن الحقوق والمطالبة بإقصاء، أو تحجيم أدوار “الإعلاميين الجدد”.
هذا إن لم نأتِ على نحو أكاديمي، على أن الصحافة علم وله مدارسه ونظرياته، وليست “هبش ونتش وقص ولصق” أو صف كلام يتضمن بعض ما يطلبه الجمهور، ومن استعطاف واستجداء.. أو نشير إلى أن من صنّف الإعلام كسلطة رابعة، كان يعرف مدى تأثيرها، على الجمهور وأصحاب القرار بآن، ولم يضعها بهذا المقام، لأنها مهنة مستباحة يسعى إليها العاطلون عن العمل أو حسان الوجوه.
آخر القول: ربما لا يقع الوزر على “المتصيحفين” فحسب، إذ ربما ما تتضمنه مهنة المتاعب من إغراء وربما لقاء مالي، يدفع كثيرين من خارج الوسط، لامتهانها، بل جلّ المسؤولية تقع على “أباطرة الإعلام” الذين يفتحون الأبواب واسعة، أمام هذه لأنها جميلة أو ذاك لأن قوته بفكيه كما الضفادع.
المصدر: زمان الوصل
عذراً التعليقات مغلقة