“الحيّ التجاري”.. خطّة إيران لهدم حمص القديمة

فريق التحرير15 نوفمبر 2018آخر تحديث :
Photo: AFP

أحمد زكريا – حرية برس

لم يكتف رأس النظام بشار الأسد بالسماح لأعوانه وداعميه إيران وروسيا بالسيطرة على اقتصاد سوريا وإقامة قواعد عسكرية لها فيها، كثمن لهما لقاء حمايته وبقائه على كرسي السلطة، على حساب دماء وأرواح الشهداء الذين ارتقوا منذ اندلاع الثورة السورية 2011. بل امتد به الأمر ليسعى جاهداً لمنحهم امتيازات إضافية وخاصةً “إيران” التي تتغلل اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومذهبياً وثقافياً في سوريا وبين السوريين، مدعومة بقرارات ومراسيم وقوانين يصدرها بشار الأسد تمهد لها الطريق لتحقيق مآربها وغايتها.

مخطط لهدم حمص القديمة واستيلاء إيران عليها

وكشف الكاتب والمحلل السياسي “صبحي دسوقي” في حديث لـ”حرية برس”، عن مخطط يتم التحضير له من خلال هدم البيوت والمحال القديمة في منطقة “حمص القديمة” وإقامة بدلًا عنها “أبراج، وناطحات سحاب” بدعم من شركات إيرانية، وقال: هناك مخطط قادم لمدينة حمص من أجل ما يسمى الحي التجاري أعطي بكامله لإيران، من أجل هدم البيوت القديمة بحمص وبناء ناطحات سحاب تشرف عليها إيران وتمولها إيران وتسيطر عليها إيران، والهدف والمخطط هو إعطاء إيران امتيازات إضافية فوق الامتيازات التي حصلت عليها، من خلال تهجيرها للشعب السوري وإسكان الإيرانيين بدلاً عنهم.

وربط “دسوقي” هذا المخطط بالقانون رقم 10 الذي أصدره رأس النظام مؤخراً والذي يتيح له السيطرة على أملاك وعقارات اللاجئين والنازحين ممن هم خارج سوريا دون الرجوع إليهم وبطرق قانونية وصفها حقوقيون بأنها أساليب احتيالية بطريقة قانونية.

وقال “دسوقي”: إن القانون رقم 10 يشي بالمخطط المستقبلي الذي ينسقه النظام مع إيران للحل في سوريا، فهم يريدون اخلاء الشعب من قراهم ومدنهم واحلال إيران والميليشيات الشيعية بدلا منهم، ويريد النظام أن يعوض على الإيرانيين خسارتهم التي تجاوزت مليارات الدولارات من أجل الإبقاء على السفاح بشار الأسد، لذلك هو يعطي الامتيازات تلو الأخرى لإيران من خلال إقامة القواعد العسكرية والمدن الصناعية والتجارية وغيرها.

“حلم حمص” مشروع قديم متجدد

النقيب “رشيد حوراني” الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رأى أن مشروع حمص القديمة وما يتم التخطيط لها هو في الحقيقة (جديد – قديم) وربما اليوم اكتسب من وجهة نظر النظام الطابع الشرعي من خلال المرسوم الذي استصدره رقم /10/، وقد أطلق النظام على يد محافظ حمص آنذاك مشروع حمل اسم “حلم حمص” قوبل بالرفض العلني الناعم من أصحاب المحال التجارية والأهالي لأنهم وجدوا فيه تغييراً كاملاً لهوية المدينة وخاصة القديم منها ووصل التجار يومها إلى أعلى المستويات لإيقاف المشروع، وتم لهم ذلك وبرضا النظام وتسهيل منه.

وأضاف في حديثه لحرية برس، أن مخطط إيران بدأ منذ خروج المقاتلين من أحياء مدينة حمص 2014، ودفع الإيرانيون بتجار لشراء هذه العقارات من أصحابها الأصليين ومن ثم تضع الميليشيات الايرانية يدها عليها، وقد نشب منذ ذلك التاريخ خلاف بين الميليشيات وعناصر الدفاع الوطني من أجل هذا الأمر.

 لماذا حمص القديمة؟

وذكر موقع “حركة تحرير الوطن” على الانترنت، أن مدينة حمص تعد “ركيزة للمد الشيعي في سوريا”، مضيفاً أن “التوسط الجغرافي لحمص بين كل هذه المناطق يجعل السيطرة عليها مذهبيا من العوامل الأساسية لتحقيق هذا المخطط المشؤوم”.

ووفق المصدر ذاته، فإن “الدور الأساسي لإيران في حمص هو إنجاز تسويات وهدن ومصالحات تكفل خروج (تهجير) كتائب الثوار مع أهلهم السنة وإحلال الشيعة مكانهم، وقد بدا هذا الدور واضحاً بعد اتفاق خروج الثوار المحاصرين من الأحياء القديمة، ثم محاولات تحقيق تسويات في حي الوعر وافتتاح مكتب للمنتدب الإيراني فيها، ثم التخطيط للسيطرة على الريف الشمالي، معلنة بذلك بدء مسيرة الزحف الشيعي البغيض إلى حمص”.

وفي ردّ منه على سؤال حول أهمية منطقة “حمص القديمة” بالنسبة لإيران من أجل تنفيذ مخطط “الحي التجاري” أوضح “حوراني”: بأن حمص القديمة هي أملاك مشاع إن صح التعبير ومنها تعود وثائقه إلى أيام الدولة العثمانية، ولهذا قام النظام بحرق السجل العقاري لطمس كل تلك الأدلة، أضف إلى ذلك أن أبناءها انتفضوا جميعهم ضد النظام لأنهم عانوا خلال فترة قبل الثورة من تسلط ابناء الطائفة العلوية عليهم بدفع من النظام، الذي أسكنهم في محيط المدينة (حي عكرمة – الزهرة – النزهة).

النظام لا يهمه سوى السلطة

وحول الغايات التي تدفع النظام لمنحه تلك المشاريع لإيران واستحواذها عليها بضوء أخضر منه قال “حوراني”: إن النظام لم يعد يعنيه من سوريا إلا السلطة، الأمر يعني بكليته لإيران التي كانت تحاول نشر” التشيع” في حمص قبل الثورة، مستفيدة من انتشار أبناء الطائفة الشيعية في عدد من المناطق سواء في شمال المدينة أو جنوبها كقرى (أم العمد – الكم – المختارية – الزراعة – الرقة – كوكران _ والديابية -زيتا – الفاضلية – الغور الغربية) وولاءهم المطلق لإيران.

وتابع: إن إيران حاولت عن طريق ميليشيا حزب الله بناء “حسينية” في مدينة “القصير” بريف حمص الغربي إلا أن الأهالي منعوا ذلك، واليوم يمنع ميليشيا “حزب الله” بالتعاون مع نظام الأسد، عودة أي من سكان القصير وريفها إلى بيوتهم وديارهم حتى النازحين داخلياً والقاطنين من أهالي المنطقة في مناطق سيطرة النظام، مما يدل على نية مبيتة ومخطط غير معلن للتغيير الديمغرافي بالمنطقة وهذا بحد ذاته انتهاك صريح وخطير لحق أصحاب الأرض بالعودة إلى مدنهم وقراهم.

وأضاف، أن “النظام المجرم ومن ورائه إيران، يهدف من خلال هذه الأعمال إلى إعطاء ضمان للعمق الداخلي للحاضنة الموالية العلوية المفترضة على الساحل السوري”، باعتبار أن الشريط الساحلي ليس لديه أي عمق وسيكون محاصراً من السنة، وَوَصلُ هذه المناطق بالشريط الشيعي داخل لبنان (شرق وجنوب لبنان)، وذلك عبر غربي محافظة حمص على الحدود اللبنانية، وبهذا يتم الوصل بين علويي وشيعة سوريا (المنتشرين على الساحل السوري) وأطراف حمص وشيعة لبنان في الهرمل والبقاع، ليبدأ بعدها التمهيد لمرحلة لاحقة على الأرض تفضي إلى مد مساحة وجغرافية هذا الامتداد الطائفي إلى شرق سوريا ووصله بالعراق.

وأشار، إلى أن هذا المخطط هو الذي يُبقي المشروع الشيعي الإيراني حياً، لا سيما أنه يتناغم مع المشروع “الجيو طائفي” في لبنان والذي باشرت ميليشيا “حزب الله” به منذ سنوات طويلة، واكتسب زخماً بعد العام 2006، إذ عكف “الحزب” خلال السنوات الماضية على شراء أراضي من الطوائف الأخرى بمساحات هائلة وبطريقة ممنهجة تحت أغطية متعددة منها التجاري والاستثماري والإنمائي، لكنها كانت حقيقة من أجل انشاء امتداد طبيعي للشيعة الموجودين في جنوب لبنان وأولئك الموجودين في البقاع والهرمل، ووصلهم بشيعة سوريا وعلويي الساحل.

طمس الهوية الحمصية

ويرى مراقبون أن نظام الأسد وروسيا يريدون تعويض إيران ومرتزقتها عن أتعابهم في اللعبة العسكرية في سوريا، وذلك من خلال تسهيل سيطرتهم على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحركة التجارية داخل المدن السورية، ومدينة “حمص” على سبيل المثال تعتبر مكاناً مناسباً لتنفيذ هذا المخطط كما هي الحال في “دمشق”.

عضو “المنظمة العربية لحقوق الانسان” الناشط الحقوقي “عبد العزيز الدالاتي” قال لحرية برس: إن إيران حاولت جاهدة السيطرة على القلب التجاري لمدينة دمشق باستخدام أقذر الأساليب للضغط على التجار في دمشق القديمة لبيع أملاكهم في الاسواق التجارية القديمة للإيرانيين واتباعهم ومرتزقتهم وبتسهيل من نظام، ويعتبر “سوق الحميدية” ذو المكانة الرمزية للمجتمع السوري ككل مثال على ذلك.

ويرى “الدالاتي” أن الوضع في “حمص” مختلف نوعاً ما، مبيناً أن إيران تلعب هذه “اللعبة القذرة” تحت عباءة إعادة إعمار مدينة حمص ولا سيما سوقها التجاري القديم، الذي كان مسرحاً للمعارك والقصف العنيف، ورأينا سابقا تصريحات “أكبر زمانيان” المسؤول عن مركز أبحاث البترول الإيراني عن نيتهم بناء مصفاة نفط في مدينة حمص، من أجل السيطرة على عملية تكرير وتسويق النفط السوري بمعدل 140 ألف برميل يومياً.

ويعدّ مركز مدينة حمص والسوق التجاري تحديداً ذو رمزية كبيرة بالنسبة لأهالي مدينة حمص، ويظهر بشكل واضح الطابع الاجتماعي لأهالي مدينة حمص الحقيقيين، ما يجعل من هذا السوق هدفاً للإيرانيين من أجل طمس “الهوية الحقيقية” لأهالي مدينة حمص، وأضاف الدالاتي “لا يخفى على أحد قبل الثورة السورية مشروع “حلم حمص”، الذي طرحه محافظ حمص في ذلك الوقت “اياد غزال” الذي كان يهدف لنفس الشيء وهو “طمس الهوية الحمصية”.  ورأينا حينها المقاومة العنيفة من تجار وأهالي حمص ضد هذا المشروع، وتسببت هذه المقاومة بتأخير تنفيذ المشروع الى أن بدأت الثورة السورية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل