نشر موقع “ديلي بيست” تقريرا مشتركاً لكل من روي غوتمان وكيمبرلي دوزير، يتحدثان فيه عن وضع اللاجئين السوريين في مخيم الركبان وكيف تم تجويعهم لأشهر.
ويشير التقرير، إلى أن المخيم الواقع في الصحراء جنوبي سوريا، يقيم فيه حوالي 50 ألف نسمة الذين شردتهم الحرب، واستطاعوا النجاة معتمدين على المحيط البدائي، دون أن تصلهم أي قافلة إنسانية حتى الأسبوع الماضي، وعاشوا في أكواخ بنوها من البلاستيك، ودون كهرباء أو مياه صحية أو مجار، ودون شوارع، وهناك فقط عيادة وأربع مدارس صغيرة.
ويلفت الكاتبان إلى أن سكان المخيم طردوا من بيوتهم بعدما قام تنظيم الدولة بالسيطرة عليها بداية عام 2014، مستدركين بأنه بالرغم من استعادة قوات بشار الأسد السيطرة عليها، إلا أن سكان المخيم لا يريدون العودة إلى بيوتهم الأصلية.
ويقول الموقع إن “لا شيء ينمو على الأرض القاحلة التي تقع على طول الحدود مع الأردن، لكن سكان الأكواخ اعتمدوا على المهربين للحصول على معظم ما يريدونه من الطعام والدواء حتى الشهر الماضي، عندما أغلق نظام دمشق طرق التهريب”.
وينوه التقرير إلى أنه وسط التقارير عن وفاة أطفال من سوء التغذية، حيث أخبر أستاذ المدرسة أحمد أبو كريم الموقع أنه يعرف عن أربع حالات حدثت في الشهر الماضي، وهو ما زاد من الضغوط على الولايات المتحدة وروسيا لإرسال القوافل الإنسانية من خلال الأمم المتحدة، مشيرا إلى أنه بسبب كون القوتين لا تثقان ببعضهما فإن الأمر تحول إلى حرب كلامية.
ويجد الكاتبان أنه “مع أن مسؤولية الولايات المتحدة عن مخيم الركبان لا مفر منها؛ لأن معظم المخيم واقع في المحور الأمني الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة المحيط بقاعدة التنف العسكرية، التي أنشئت لقتال تنظيم الدولة، ولأسباب غير معروفة أو لا يمكن تفسيرها، فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لم يقم بتوفير المساعدات الغذائية للركبان، ولا حليف الولايات المتحدة الأردن، الذي أغلق الحدود مع سوريا خشية تسلل مقاتلي تنظيم الدولة”.
ويفيد الموقع بأن “الخيار الوحيد أمام الأمم المتحدة كان هو بدء عملية إغاثة من دمشق، وتجتاز الطرق الواقعة تحت سيطرة الأسد، ومن ثم الدخول في المحاور التي تتحكم بها الولايات المتحدة، ومن المعلوم أن السياسة لهذه العملية غادرة مثل الطرق ذاتها، ومن هنا انتهزت الحكومة السورية وروسيا الفرصة وبدأت بإرسال السؤال تلو الآخر حول شرعية وجود القوات الأمريكية في المنطقة التي لا تزيد مساحتها على 55 كيلومترا، بشكل عرقل وصول المساعدات لمدة عام تقريبا، وفي الوقت الذي ضمنت فيه الولايات المتحدة الأمن للمحور الأمني، إلا أن هذه الضمانات لم تنسحب على المخيم ذاته”.
ويعلق الكاتبان قائلين إن “الركبان على ما يبدو يقع في نهاية الكرة الأرضية، أو يعد موقعاً من المواقع المنسية في أفلام حروب النجوم، وقال سكان المخيم إن الجميع يريدون خروجهم، وذلك في حديثهم مع مسؤولي الأمم المتحدة، التي أرسلت أولى قوافلها إلى الركبان الأسبوع الماضي، لكنهم يريدون الخروج بحقوقهم محفوظة وبكرامة وبمعاملة إنسانية”.
ويشير التقرير إلى أن القافلة المكونة من سبع شاحنات وصلت بعد رحلة سبع ساعات من دمشق، حيث توقفت عدة مرات عند نقاط تفتيش تسيطر عليها قوات الأسد وتلك المدعومة من الأمريكيين، وتم توزيع سلال الغذاء على سكان المخيم، فيما قام أطباء من وزارة الصحة السورية بتلقيح آلاف الأطفال ضد الجدري وشلل الأطفال، لافتاً إلى أنه لا يوجد ما يضمن عدم تكرار الدراما عندما تحاول الأمم المتحدة العودة إلى المخيم في كانون الأول/ ديسمبر المقبل .
ويكشف الموقع عن أنه تم ترتيب القافلة الأولى بعد تسعة أشهر من المفاوضات، فعندما سمح نظام الأسد بتسليم القافلة في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، فإن الروس طالبوا بتعليقها؛ خشية “هجمات” من داخل المنطقة التي تسيطر عليها القوات الأمريكية، ومن هنا بدأت أعداد القتلى بالازدياد، واتهمت وزارة الدفاع الروسية بأن “أفعالا لامسؤولة من الأمريكيين” كانت سببا في الوفيات والوضع الإنساني الكارثي في الركبان، ورد المتحدث باسم القيادة المركزية متهما الحكومة الروسية والنظام بأنهما “جزء من الحملة الخبيثة والتعكير على الحقيقة، وعرقلة العمليات الإنسانية”.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم القيادة المركزية العقيد بيل إربان، قوله: “هناك مجموعتان من المقاتلين في المحور، قوات التحالف الدولي وجيش مغاوير الثورة، وتقومان بالإشراف على نقاط التفتيش داخل المحور.. عندما تحاول قوات من خارج المحور التقدم نقوم بمنعها”.
ويستدرك الكاتبان بأن “الولايات المتحدة لم تقم بعملية إحصاء داخل المخيم للكشف عما إن كان فيه مقاتلون سابقون من تنظيم الدولة، وما لم يجب عليه الأمريكيون هو سبب اعتمادهم على الأمم المتحدة لتوفير الطعام للركبان، وهم يعرفون العراقيل التي وضعها أعداؤهم أمام قيام الأمم المتحدة بالمهمة، بالإضافة إلى أن المخيم يقع ضمن منطقة السيطرة الأمريكية”.
ويتساءل الموقع عن السبب الذي جعل الأمريكيين يعطون الروس والنظام حق الفيتو على عمليات الإغاثة، مشيراً إلى أن إدارة باراك أوباما أرسلت في عام 2014 مساعدات للأزيديين الذين علقوا في جبل سنجار في العراق، بدلاً من انتظارها للأمم المتحدة.
وينقل التقرير عن الخبير في الشؤون السورية في مؤسسة القرن أرون لوند، قوله: “لو كنت الولايات المتحدة وحليفك الأردن لن يقوم بتوفير المساعدات، وإن أردت توفير الطعام لهؤلاء الناس فلربما قمت بذلك بنفسك.. أرسلها بالشاحنات أو بالبراشوتات”، وأضاف أن الولايات المتحدة عليها واجب قانوني دولي لتوفير المساعدات للمدنيين، “أمريكا هي المسيطر الفعلي على المنطقة.. لو كنت تحتل المنطقة فأنت مسوؤل عن السكان الذين تسيطر عليهم”.
ويورد الكاتبان نقلاً عن مسؤول أمريكي، قوله إن الوضع قد يصل إلى قيام أمريكا برمي المساعدات من الجو في حال استمر الروس والنظام السوري بعرقلة الجهود الإنسانية، وتردد الأردن بنقلها عبر حدوده، وأضاف المسؤول الأمريكي أن الهدف الرئيسي للتحالف هو إخراج سكان الركبان من المخيم؛ لأنه لا يصلح للسكن على المدى البعيد.
وينقل الموقع عن نائب ممثل شؤون الحماية في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أجمل خيبري، قوله إن الركبان “ليس مخيماً، بل مستوطنة مؤقتة”.
ويلفت التقرير إلى أن المخيم يغطي مساحة 11 ميلاً مربعاً، وليست له بنية أو خطة، ولا يتبع لأي وكالة إنسانية، وليست فيه شوارع أو صرف الصحي للمياه العادمة، أو جمع للنفايات، ولا كهرباء، ويحفر الناس في الأرض من أجل استخدامها مراحيض، ومن غير المعلوم كيف يحصل السكان فيه على الخشب لحرقه واستخدامه للتدفئة، وقال خيبري: “قالوا إنهم يحصلون على الخشب من الخارج.. طوروا طرقا لقطعه”.
وينوه الكاتبان إلى أن الناس الذين يعيشون في الصحراء يتعرضون للحرارة العالية والبرودة المنخفضة جدا، وأسوأ ما فيها هي العواصف الرملية التي تخنق من يواجهها، وقالت امرأة إن أسوأها الأخيرة التي اندلعت قبل أسابيع، ووصفها بعضهم بأنها “كارثة ونهاية الحياة ومروعة”.
ويذكر الموقع أن هناك نوعا من التجارة في بعض البيوت الطينية، فيما تتحرك الدراجات الهوائية بين الخيم لكن لا سيارات فيه، مشيراً إلى أن هناك سوقا زارها خيبري، وفيها 50-60 محلاً تبيع مواد متنوعة وأدوية، ومحلات حلاقة وتجميل ومحل جزارة، والبضائع المتوفرة كلها جلبها التجار والمهربون، والأسعار عالية بالمستويات المحلية، فسعر رغيف الخبر 250 ليرة سورية، أو ما يعادل 49 سنتا أمريكيا، وهو خمسة أضعاف الأسعار في دمشق.
وينقل التقرير عن التجار قولهم إن سبب الأزمة هو إغلاق نظام الأسد طرق التهريب بشكل رفع الأسعار، لافتاً إلى قول خيبري إن الناس يرتدون بشكل جيد، فلا أحد يرتدي الخرق.
ويستدرك الكاتبان بأنه “رغم التقارير عن الوفيات من سوء التغذية، إلا أن السكان بدوا في صحة جيدة، ولا يوجد طبيب في المنطقة، لكن هناك 14 ممرضا، ولا يوجد مستشفى، ويوجد مستوصف محلي، ونقل عن الكبار قولهم إن معظم الوفيات بين الولادات الحديثة، ولا توجد أرقام حول الوفيات، لكن منظمة سورية طبية قالت إن هناك 15 من سكان المخيم ماتوا بسبب عدم توفر العناية الصحية الجيدة”.
ويفيد الموقع بأن الركبان ظهر منذ خمسة أعوام محطة للهاربين من الحرب في مناطقهم إلى الأردن، وعندما سيطر تنظيم الدولة على تدمر زادت أعداد الهاربين إليه، وانضمت إليهم أعداد من دير الزور في شرق سوريا، وحافظ سكانه على ولاءاتهم القبلية، وعاشوا في مجموعات مع أعضاء قبيلتهم.
ويجد التقرير أن سقوط تدمر يكشف عن تعقيدات الحرب السورية، فرغم وجود 10 آلاف جندي تابع للنظام فيها، إلا أن تنظيم الدولة سيطر عليها في أقل من أسبوع، وكانت هناك أشكال من انسحاب النظام من البلدات والمدن في شرقي سوريا، مشيرا إلى أن النظام استعاد تدمر في آذار/ مارس 2016، ليخسرها في كانون الأول/ ديسمبر، ليستعيدها مرة أخرى في العام التالي.
ويقول الكاتبان إنه في الفوضى التي أعقبت هذا كله، فإن السنة الذين عارضوا النظام فروا كلهم، وربما فتح هذا الطريق أمام الممر الإيراني الذي يمتد نحو البحر المتوسط، وأصبحت تدمر اليوم خالية من سكانها السنة الذين يقولون إنه ليس مسموحا لهم بالعودة إليها.
ويورد الموقع أنه في مقابلة تركت أثرها على خيبري مع شيخ من قبيلة بني خالد، تحدث إليه عن الحياة التي خلفها وراءه، قائلاً: “لا علاقة لنا بما حدث كله”، في إشارة للثورة التي اندلعت ضد بشار الأسد في عام 2011، وأضاف: “تشردنا بسبب تنظيم الدولة، ومشينا طوال الطريق إلى هنا، ونريد استعادة حياتنا، فنحن لسنا مرتبطين، ولا نريد الارتباط، بأي جماعة مسلحة، وأريد عودة قبيلتي، لم أكن رجلا غنيا، لكن كانت لي كرامتي وشرفي، وكذلك كان أبناء قبيلتي.. أريد استعادة هذا كله، ونريد العيش باحترام، وكانت لدينا مدارس ومعلمون وكل شيء، وكانت عندنا كرامة”.
ويذكر التقرير أن خيبري التقى مع طفل، قال إنه يريد الدراسة والتخصص في الأدب، وكان حوله رفاقه الذين وصفوه بشاعر المستقبل، فكل ما كان يطمح إليه هذا الصبي من حمص هو العودة والدراسة وأن يصبح معلماً، فيما قالت له ليلى البالغة من العمر 9 أعوام، إن أجمل أيامها هي الذهاب إلى المدرسة، إلا أنها عندما تعود إلى بيتها لا تجد شيئا سوى صوت رفرفة البلاستيك الذي يغطي الكوخ.
ويختم “ديلي بيست” تقريره بالإشارة إلى قول خيبري إن كل من قابلهم في الركبان لديهم الرسالة ذاتها: “لا حل في بقاء هؤلاء السكان في الركبان، ولن تعود إليهم كرامتهم وإنسانيتهم إلا في حال سمح لهم بالعودة الطوعية الآمنة والعيش بشكل طبيعي”.
- المصدر: عربي21
عذراً التعليقات مغلقة