ترانسفير العصر.. تهجير السوريين برعاية أممية

عماد غليون13 نوفمبر 2018آخر تحديث :
ترانسفير العصر.. تهجير السوريين برعاية أممية

عندما غادرت مدينتي حمص قبل سبع سنوات كنت أظن أن غيابي لن يمتد سوى بضعة أشهر تنتهي مع سقوط نظام الأسد؛ وفي الواقع كان هذا حال معظم السوريين وقتها.

يتكشف لي الآن من مراجعة الأحداث وتدقيقها أنني كنت واحداً من ملايين السوريين ممن تم إبعادهم ونفيهم وتهجيرهم بطرق شتى وبشكل ممنهج.

رشح مع بداية الثورة السورية تصريح محمد سعيد بخيتان الأمين المساعد لحزب البعث يبدي فيه العزم على تصفية  من يقف في وجه النظام حتى لو أدى ذلك لإزهاق ملايين الأرواح والرجوع بعدد سكان سورية لما كان عليه عند استيلاء البعث على السلطة عام 1963.

في خطابه الأول أمام مجلس الشعب في 30 آذار 2011 أعلن بشار الأسد في ذلك الوقت المبكر شن حرب طويلة  ستمتد لسنوات؛ وجاء تصور الأسد المسبق غريباً حيث لم يكن سياق الأحداث وقتها يوحي بذلك بتاتاً.

مع ازدياد ضغط الثورة لإسقاط النظام وجه رامي مخلوف رسالة علنية لإسرائيل تتضمن طلباً صريحاً بالحفاظ على النظام لارتباط أمن إسرائيل ببقاء النظام؛ واستناداً للوقائع لا يمكن تفسير حرب النظام بالوكالة على الشعب السوري  دون الوقوع في فخ نظرية المؤامرة؛ وتشارك النظام مع جهات إقليمية ودولية بشكل مباشر وغير مباشر وحتى الأمم المتحدة نفسها ساهمت بذلك؛ ويؤكد ذلك التواطؤ ضد الثورة ومنع سقوط النظام ومن ثم تلميعه وتعويمه.

تخلّت الأمم المتحدة عن مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه حماية الشعب السوري؛ وتوقفت بشكل غريب عن  إحصاء وتوثيق أعداد الشهداء السوريين مع تجاوز الرقم 250 ألفاً؛ والغريب أنها استمرت في إحصاء اللاجئين رغم الصعوبات العملية حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها في آخر إحصاء ستة ملايين وثلاثمائة ألف وهي النسبة الأعلى في العالم.

في كتابه صدام الحضارات حول مستقبل الصراعات الدولية بعد سقوط محور الاتحاد السوفييتي يضع صاموئيل هنتيغتنون العامل البشري من الأسباب المولدة للنزاعات؛ وبحسب الإحصائيات التي أوردها تتمتع سورية بمعدلات نمو سكاني مرتفعة وتتفوق على الدول الأخرى في معدلات نسبة الشباب ودخولهم في سوق العمل؛ وهو يرى أن سوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الشباب للضغط باتجاه الحدود والسعي للهجرة نحو الدول المتقدمة وإحداث مشاكل فيها؛ وجاء تصنيفه الإسلام السني في رأس سيناريوهات الصراع ليشير نحو سورية مركزاً للصراع القادم وتفتيت نسبة الشباب المرتفعة فيها وتحويلها لبؤرة جذب واستقطاب.

يثير الريبة التركيز الإعلامي المبكر على فتح ملف اللاجئين مع بدايات الثورة؛ حيث فتحت حدود الدول المجاورة دون أي رقابة؛ وجرى إعداد مخيمات نموذجية في المناطق الحدودية التركية؛ وبقيت الكاميرات تنتظر طويلاً قبل أن يتحول  تدفق اللاجئين إلى واقع؛ وأحدث ذلك تأثيراً نفسياً سلبياً تحريضياً في تقبل فكرة اللجوء؛ وينبغي البحث هل كان  الإعلام يسعى لتبيان الحقائق أم السبق الإعلامي؟ أو هل كان ضمن نشاط مبرمج سلفاً؟

ولا يمكن النظر بحسن نية إلى طريقة تعامل دول الجوار التفضيلي للاجئين في البداية ومن الجانب التركي تحديداً  الذي قدم تسهيلات واسعة جعلت تركيا مركز جذب للكثيرين وتحولت مركزاً لنشاطات المعارضة؛ ويؤكد الشكوك حول نوايا دول الجوار التغير الحاد في طريقة تعاملها مع اللاجئين.

أحدثت حرب التحالف الدولي على تنظيم داعش من خلال قوات سورية الديمقراطية وبقيادة الولايات المتحدة مزيداً من التدمير والتهجير وموجات جديدة من النازحين واللاجئين عن المناطق الشرقية من البلاد.

قامت تركيا بفتح الحدود أمام اللاجئين باتجاه أوروبا مما أدى لموجات واسعة من اللاجئين استقطبت ألمانيا الحصة الأكبر منهم؛ ورغم استغلال اليمين المتطرف قضية اللاجئين سياسياً إلا أن واقع الإحصاءات الرسمية يظهر تراجع أعداد سكان ألمانيا مليوناً ونصف مقارنة مع ربع قرن سابق؛ ويمكن تسخير نظرية المؤامرة لاعتبار ذلك سرقة ضخمة مبرمجة لثروة بشرية جاهزة.

تورطت الأمم المتحدة بشكل مباشر من خلال دعم ورعاية اتفاقيات موجات التهجير القسري باتجاه الشمال السوري؛ وكذلك الإشراف على عمليات إعادة التوطين وإبعاد اللاجئين باتجاه أمريكا وكندا وأوروبا؛ والأسوأ دعمها النظام بتسليمه الأموال المخصصة لدعم اللاجئين.

بات أكثر من ثلث الشعب السوري بين لاجئ ونازح ولم يقفل الملف حتى الآن؛ ولا يزال هناك مخاوف حقيقية من موجات لجوء ضخمة في حال تفجر الأوضاع في إدلب.

لا يتوقع عودة اللاجئين من أوروبا وأمريكا؛ بينما يمكن عودة  كثير من اللاجئين في دول الجوار فيما لو تحقق الانتقال السياسي فعلياً.

لا يدري السوريون كيف سيتم استغلال ملف اللجوء سياسياً؛ هل يكون ذلك بتقسيم سورية؟  أم تحويلها دولة فيدرالية؟ وفي حال عودة الدولة المركزية هل سيتم مراجعة عمليات التوطين والتجنيس وإبعاد الغرباء عن سورية لإعادة التوازن الاجتماعي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل