نظام الأسد من التعويم إلى التظهير

عماد غليون29 أكتوبر 2018آخر تحديث :
نظام الأسد من التعويم إلى التظهير

تلف الغرابة مشاهد إعادة تماثيل الأسد وسط ساحات المدن السورية المدمرة؛ وتبدو تماثيل الأسد الجديدة المحاطة بالرخام والأضواء الباهرة وسط أكوام الخرائب والأنقاض مشهداً سوريالياً مثيراً للدهشة.

يتم ذلك بشكل مدروس يريد النظام من خلاله إظهار قوته وسطوته وإعلان انتصاره النهائي من خلال إعادة زرع التماثيل قسراً وتحديداً في المدن الثائرة التي استعاد السيطرة عليها مؤخراً.

لم يكن مصادفة توجه المتظاهرين في بدايات الثورة نحو تحطيم صور وتماثيل الأسد الذي كانت تعتبر أيقونات ورموز لجمهورية الخوف والرعب خلال عقود دامية.

احتار الباحثون في تفسير نمط حكم الأسد وتصنيفه ضمن الأنماط السياسية المعروفة؛ ويبدو أنه أقرب لتصنيفه كنظام هجين غير معروف ولّفه الأسد من أنظمة ديكتاتورية شمولية.

تخلص حافظ الأسد بداية من رفاقه في اللجنة العسكرية وهيمن على الجيش؛ ثم أبعد قيادات حزب البعث التاريخية  وبسط سيطرته على القيادتين القومية والقطرية للحزب؛ وانتقل لتحويل سورية إلى مملكة أسدية خاصة أطلق عليها اسم سورية الأسد وأورث ابنه بشار حكمها بعد وفاته.

جرى تحويل حافظ الأسد إلى رمز مقدس خلال عمليات متتالية؛ تولى وزير الإعلام أحمد اسكندر أحمد المهمة الأساسية في نشر ثقافة الإفراط في الثناء على القائد وصفاته الفريدة؛ وأدى ذلك لابتداع طرق مبتكرة في الرياء  والمبالغات اللغوية في التزلف؛ وبات الأسد يحظى بألقاب تقديسية خاصة به تطورت مع مراحل سيطرته وهيمنته على البلاد من ابن الشعب البار إلى الأب القائد وصولاً للقائد الخالد بعد وفاته.

فرادة نظام الأسد وإبداعه تجلّت في قدرته على فرض الديكتاتور الأسد وتحويله إلى زعيم مقدس؛ وبدى الشعب السوري أمام الخارج مقدساً لقائده الأسد ومولهاً بزعامته؛ وشارك في ذلك لفيف من القوميين واليساريين العرب من خلال خطاب المقاومة والصمود.

قام النظام بفرض ممارسات تعبيرية على المواطنين في مختلف مراحل حياتهم اليومية لتأكيد الطاعة والولاء للنظام؛ وذلك من خلال ترديد الشعارات في البرامج والمهرجانات السياسية والثقافية والفنية والمسيرات الإلزامية التي تقيمها المنظمات الشعبية والمهنية المختلفة؛ من طلائع البعث وشبيبة الثورة واتحادات الطلبة والعمال والفلاحين والحرفيين والكتاب والفنانين وغيرها.

نشر النظام بشكل ممنهج صور وتماثيل الأسد بكثافة غريبة وفرض تقديسها على الجميع وعمد إلى إشعارهم بالرهبة من تواجد الأسد وملاحقته لهم في جميع الأماكن العامة والخاصة؛ وبات القائد الأسد موجوداً باستمرار في كافة مراحل المناهج المدرسية وصدارة دائمة لكافة الوسائل الإعلامية؛ دون الاكتراث بهشاشة أو حتى تفاهة ذلك الخطاب في كثير من الأحيان ودون الدخول في أي نقاش حوله. كان النظام يرمي لتحقيق السيطرة الشاملة على كافة مفاصل المجتمع من خلال الإمساك بحزم وتسلط على كافة تفاصيله؛ وقد بذلت الكاتبة ليزا والين جهوداً كبيرة لفهم الطبيعة الغريبة  لنظام الأسد ونشرت ذلك في كتابها المبدع بعنوان “السيطرة الغامضة”؛ عاش السوريون ما كتبت عنه والين وكان توصيفها وشرحها لواقع نظام الأسد مهماً ودرساً مفيداً للمستقبل السوري.

انتقم النظام بشدة من المدن الثائرة التي حطمت صورة الأسد الرمز وقام بتدميرها بشكل وحشي؛ ومع شعوره بالانتصار بدأ يسعى لاستعادة طقوس السيطرة التي فرضها على السوريين خلال عقود؛ إضافة للتحكم من خلال الرموز ومنها التماثيل باشر بإصدار قوانين وتشريعات تخدم تلك التوجهات ومنها القانون التنظيمي رقم 10 وقانون الأوقاف.

من خلال إعادة زرع تماثيل الأسد يريد النظام الظهور بشكل قوي أمام مؤيديه ويرد اعتباره ضد الإهانات التي لحقت برمزية الأسد خلال سنوات الثورة؛ ويسعى بشار الأسد لتقديم نفسه للخارج كاستمرار لنظام والده القوي الذي قدم خدمات إقليمية مهمة خاصة في استقرار جبهة الجولان وحماية أمن اسرائيل.

ما يثير القلق بروز مظاهر الرياء من جديد خاصة في مناطق المصالحات وهو ما يعني خطر عودة نظام السيطرة الغامضة  واستمرار الدولة العميقة؛ وبعد أن كان النظام متجهاً للسقوط تمت حمايته دولياً ثم جرت عملية  تعويمه من خلال مسار تفاوضي سياسي تم الالتفاف عليه كلياً.

يجري الآن محاولة تظهير نهائي لصورة نظام الأسد الأخيرة بعد إعادة تلميعها؛ وسيرى السوريون تلك الصورة قبيحة  وستفشل محاولات التجميل لنظام قاتل دمر بلاده.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل