اغتيال خاشقجي.. بوابة تصفية الحسابات العالقة

أحمد الرحال28 أكتوبر 2018آخر تحديث :
اغتيال خاشقجي.. بوابة تصفية الحسابات العالقة

طوال أيام الفترة الماضية ونحن نتابع عن كثب ردود الأفعال العالمية حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، إلا أن تلك الأفعال كانت نتاج ردات فعل لا أكثر، دون أي تنديد من المنطقة المحيطة تضامناً مع هذا الشخص، الذي اختفى بشكل فجائي من القنصلية وكأن الأرض شُقت وابتعلته!.

الغريب في الأمر أن خاشقجي كان صحفياً ولم نشهد أي تنديد أيضاً أو أي بيان من المنظمات او اتحاد الصحفيين أو أي منظمة حقوقية تستنكر هذا الفعل وتحاول جاهدة التحري وملاحقة المتهمين والمطالبة بتحقيق شفاف في قضيته، وأن الأمر يحتاج لموافقة السلطات على اعتبار أن تلك المنظمات ليست مستقلة.

الجميع انتظر خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليتحدث عن حادثة خاشقجي، إلا أن خطابه كان أشبه بمن يسير بذات الطريق كل يوم دون أن يحاول تغيير اتجاهه ولو لمرة واحدة أو يأتي بشيء جديد لا يعلمه أحد. الأنظار كانت متوجهة لأردوغان بأن يتهم بن سلمان بإعطاء أمر تصفية خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.

ويبدو أن سياسة تركيا في إدارة أزمة خاشقجي قائمة على جوانب متعددة وبناءً عليها يُمكن فهم خطاب الرئيس التركي وحتى ماذا سيحصل مستقبلاً في خطوات بلاده بهذه القضية، كالإبقاء على العلاقة مع السعودية من خلال التأكيد على دور الملك سلمان في التعاون بالملف، وربما يتم الانتقام من ولي العهد وتحميله مسؤولية الحادثة، إلا أن هناك طرفاً آخر وهو الرئيس الأمريكي غير مقتنع بالحكم على بن سلمان لغايات مستقبلية أيضاً، بعد أن استثمر الكثير في ولي العهد السعودي، ومن ثم فإنه من غير المتوقع أن يسمح له بالرحيل، كما أن هناك صفة مشتركة بين الطرفين، وخاصةً أن ترامب لا يبدو صديقاً جيداً للصحفيين، ولا يهتم كثيراً بالصحافة وحريتها.

إقرار السعودية بمقتل خاشقجي داخل القنصلية لم يكن سوى باب استغباء افتتحته أمام الشعوب العربية وغيرها بعد 18 يوماً من الحادثة، وربما يعتقد البعض أن ذلك جاء نتيجة الضغوط التي تعرضت لها من قبل تركيا والولايات المتحدة، إلا أن حادثة كهذه بالتأكيد لن يكون مخططاً لها من جانب الرياض وحدها فقط إلا إذا كانت بقمة الغباء لارتكاب حماقة كهذه، ولكن مخرجها هنا يكون بناءً على اتفاقات جديدة بعلاقات جديدة مشتركة على أسس قد تم الاتفاق عليها مسبقاً، كان خاشقجي ضحيتها.

القول إن تركيا ستتعاون مع الأمم المتحدة والمحاكم الدولية في حال فتح تحقيق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي محض حبرٍ على ورق ليس إلا، فمن ينظر إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص من الشعب السوري على يد الأسد وحلفاءه روسيا وإيران أمام مرأى العالم أجمع دون أن يحركوا ساكناً، يدرك تماماً أنه لن يتم التحرك لأجل شخص واحد فقط وإن كان صحفياً مشهوراً ذو علاقات واسعة.

مقتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده، جريمة سياسية، وفي ذات الوقت رسالة إلى جميع الصحافيين بأن هذا العالم لم يعد آمناً لهم، فالحادثة أدخلت الرعب على كل من يؤمن بالصحافة الحرة في هذا اليوم، واغتيال خاشقجي وضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما إن كان هل يستحق شخص مثله هذا المصير.

بالتأكيد سوف تضيع دماء جمال خاشقجي بين قذارة السياسات الدولية المبنية على المصالح المشتركة وحب المال والاستثمار وتحقيق المكاسب السياسية وغيرها، فحادثة الاغتيال قدمت على طبق من ذهب لتركيا بعد خلافاتها الماضية مع السعودية ولن تجعلها تمر مرور الكرام إلا بعد تحقيق مكاسب سياسية.

ورغم أن القضية أثارت اهتماماً سياسياً وإعلامياً عالمياً غير مسبوق، نظراً إلى بشاعة الجريمة، وحصولها داخل قنصلية يفترض أنّ الغرض من وجودها خدمة مواطنيها وحمايتهم، وليس إسكات المعارضين أو المنتقدين، قتلاً أو اختطافاً، لا سيما أن هناك العديد من الدول تمارس سياسة الاغتيال واستهداف المعارضين مثل روسيا وإيران اللتين التزمتا الصمت تجاه هذه الجريمة، إلا أن اغتيال خاشقجي كان شيئاً لم يتصوره عقل ولا يمكن حدوثه إلا بفعل من نظام يتحكم به ديكتاتور ليكافح المطالبين بالحرية والديمقراطية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل