أحمد زكريا – حرية برس
أثار موضوع إعادة فتح المعابر الحدودية سواء كان معبر (نصيب-جابر) بين الأردن وسورية، أو معبر (القنيطرة) بين “إسرائيل” وسورية مع نظام الأسد، الكثير من التساؤلات وردود الأفعال من قبل مراقبين ومتابعين للشأن السوري.
ويرى محللون أن هذه التطورات فيما يخص المعابر الحدودية، تعني من قريب أو بعيد إعادة تأهيل الأسد وإعادة انتاجه من جديد عبر البوابات الحدودية مع الأردن أو العراق، وحتى مع لبنان الذي بقيت معابره دون إغلاق طيلة هذه السنوات من عمر الثورة السورية، في حين بقيت معابر الشمال السوري خارج سيطرة النظام.
وفي هذا الصدد قال الكاتب “غازي دحمان” في مقالة له في موقع “العربي الجديد”، الجمعة، “إن رمزية افتتاح معبر (نصيب – جابر) في كل هذا الحدث، أنها تشكل بداية مرحلة إعادة تأهيل نظام الأسد إقليمياً، ربما لن يتم استقبال الأسد في قصور الحكام العرب غداً أو بعده، لكن المؤكد أنه عاد إلى البنية السلطوية الإقليمية، وأعاد تثبيت أوراق انتمائه لنخبها الحاكمة، ولم يعد تالياً نظاماً خارجاً عن المألوف، نتيجة ما ارتكبه من مذابح، ومن عمليات تغيير ديمغرافي واسع”.
وكانت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “نيكي هايلي” أعلنت، الأسبوع الماضي، في بيان لها أن “إسرائيل وسوريا والأمم المتحدة توصلوا إلى اتفاق لإعادة فتح معبر القنيطرة في هضبة الجولان”.
بدورها، تسعى حكومة النظام لإجراء مباحثات مع الجانب العراقي، من أجل إعادة فتح المعابر الحدودية بين الجانبين وخاصة معبر (البو كمال-القائم)، وقال موقع وكالة “سبوتنيك” الروسية: إن حكومة النظام تتجه لخلق شريان جديد يدعم الاقتصاد السوري، من خلال الربط التجاري البري بين سوريا والعراق.
ورحبت وسائل إعلام إيرانية بموضوع فتح المعابر لصالح نظام الأسد وخاصة المعابر مع العراق، ونقل موقع قناة “العالم” الإيرانية، الثلاثاء الماضي، عن السفير العراقي في سوريا “سعد محمد رضا” قوله: “إن فتح المعابر سيؤدي إلى انتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية في البلدين، فالعراق بحاجة إلى الكثير من السلع والبضائع والخضار والفواكه التي يتم إنتاجها في سورية، ورجال الأعمال العراقيون لديهم رغبة حقيقية في دخول السوق السورية”.
كيف يستفيد “لبنان” من معبر “نصيب”؟
ويعّد معبر “نصيب” الحدودي بالنسبة للبنان شريانًا حيويًا للصادرات اللبنانية نحو الدول الخليجية والدول العربية كافة، ونتيجة إقفاله تضررت الصادرات اللبنانية بشكل كبير.
وبحسب موقع “النشرة” الإخباري اللبناني، فإنه وقبل إقفال المعبر عام 2015، كانت تعبره 250 شاحنة لبنانية يوميًا، محمّلة بالمنتوجات الزراعية والصناعيّة، مضيفًا أن المزارعين والصناعيين وأصحاب الشاحنات، ينتظرون إعادة افتتاح المعبر بفارغ الصبر.
ونقل المصدر ذاته، عن نقيب أصحاب الشاحنات “شفيق القسّيس” قوله: إن المعبر أنّه يشكّل مرفقا حيويًّا بالنسبة للبنان، وأنه يساعد قطاعي الصناعة والزراعة على تصدير المنتجات، في حين، رحبت مصادر لبنانية أخرى بإعادة فتح هذا المعبر المغلق منذ أكثر من 3 سنوات، ونقل موقع “لبنان 24” عن وزير الزراعة “غازي زعيتر” أنّه سيستكمل اتصالاته مع الوزراء المعنيين في سوريا، لتتمكن الشاحنات اللبنانية من استئناف التصدير عبره.
يأتي ذلك في ظل الحديث عن خسائر كبيرة تكبدها لبنان جراء إغلاق المعبر، خاصةً وأن رئيس تجمع مزارعي البقاع “إبراهيم ترشيشي” قال لموقع “لبنان 24″: كنّا نتكبد خسائر بقيمة مليار ومئتي مليون دولار سنوياً، أيّ نحو أربعة مليار دولار على مدى ثلاث سنوات ونصف، ويكفي الإشارة أيضاً إلى أنّ الدولة كانت تدعم التصدير عبر البحر بخمسين مليار ليرة سوياً، ولم نتمكن من رفع صادراتنا أكثر من 330 ألف طن سنوياً، في وقت كنّا نصدّر عبر معبر نصيب حوالي 550 ألف طن سنويًا”.
ورقة بيد النظام ضد لبنان
وعلى الرغم من ترحيب الأوساط اللبنانية بإعادة فتح معبر نصيب، شكك مراقبون بنية النظام ومساعيه للاستفادة من المعبر كورقة ضغط سياسية واقتصادية وإنسانية على لبنان، خاصة فيما يتعلق بإعادة التطبيع مع شخصيات سياسية وإجبارها على التعامل مع دمشق، إضافة للضغط على وتر ملف اللاجئين مقابل السماح بمرور الشاحنات وتعزيز الاقتصاد اللبناني من خلال معبر “نصيب”
وقال الكاتب “طوني فرنسيس”، الثلاثاء، في مقال له في صحيفة الحياة اللندنية: “لم يحصل ذلك في الأردن ولا في العراق ولا مع تركيا ولا حتى مع إسرائيل، بدت الاشتراطات على معبر نصيب وكأنها مسألة لبنانية، صار التعامل اللبناني مع النظام السوري شرطاً لاستفادة أصحاب الشاحنات من المعبر، مثلما جعل النظام السوري من مصافحة لبنان شرطاً لعودة مواطنيه إلى سورية، إنه لابتزاز الفاقع الذي يعتقد بعض الساسة في لبنان أنه يحسّن مواقعهم في مواجهة خصومهم المحليين، ويمارسه سوريو الوصاية بحكم تطبعهم وطبعهم، والطبعُ عادة ما يغلب التطبع”.
وفي ردّ منه على سؤال حول كيفية استخدام نظام الأسد “معبر نصيب” كورقة ضغط على الحكومة اللبنانية على صعيد إنساني وعلى صعيد الضغط من أجل إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا قال “خالد رعد” رئيس لجنة التنسيق والمتابعة في عرسال لحرية برس: إنه طالما أصبح معبر نصيب بيد نظام الأسد فمن المؤكد أنه بإمكانه استخدامه كورقة ضغط سياسية أو اقتصادية أو كما يشاء بالنسبة لموضوع عبور الشاحنات اللبنانية، والتي ليس أمامها سوى الأراضي السورية برًا للوصول إلى دول الخليج، وبالتالي يستطيع نظام الأسد إن أراد استثمار ذلك كورقة ضغط معينة على الحكومة اللبنانية، وفق رؤية “تشبيحيه” يريدها هذا النظام.
ورأى “رعد” أنه من الوارد أن يستخدم المعبر كورقة ضغط ضد اللاجئين، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هذا القرار يعود للاجئين أنفسهم وقال: أنا مقتنع بأن اللاجئين إذا تكتلوا بقرار جماعي فلا يمكن فرض العودة عليهم أبدًا، ونحن في “لجنة القصير” تقدمنا بورقة إلى مكتب سعد الحريري، يوم الأربعاء، وقلنا لهم حرفيًا: نحن أهالي القصير لا نريد العودة أبدا تحت ظل النظام، ولا يهم إن كانت سوريا آمنة أو غير آمنة المهم أننا لا نريد العودة تحت ظل النظام.
وفي السياق، أشار “عبد الرحمن العكاري” رئيس الهيئة العامة لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في لبنان: إلى أن افتتاح المعابر وإعادة التطبيع مع بعض دول الجوار، لا يشكل أي خطر على إجبار تلك الدول على لاجئيها بالعودة إلى سوريا، خاصةً أن سوريا ما زالت دولة حرب ولا أمان فيها، وخاصةً أن اغلب اللاجئين هربوا من بطش الأسد وطائراته.
وأضاف “العكاري” في تصريح لحرية برس: لن يستطيع النظام الضغط على الحكومة اللبنانية، لأن الحكومة اللبنانية بذاتها لا تستطيع إجبار السوريين على العودة.
أما على صعيد اقتصادي، فرأى “العكاري” أن لبنان يستفيد من معبر نصيب لترويج مزروعاته وتصديره، مستبعدًا أن يكون بمقدور النظام فعل أي شيء حيال ذلك.
.
.
مكاسب النظام من إعادة فتح المعابر
وقال “ملهم جزماتي” الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري في حديثه مع حرية برس، إن النظام يحقق العديد من المكاسب من إعادة فتح معبر نصيب الحدودي، تتلخص بمكاسب سياسية برسالة يريد أن يوجهها النظام وروسيا للعالم بأن النظام باقٍ ولن يتنازل عن السلطة أبدا، والرسالة الثانية هي اثبات بأن العلاقات الاقتصادية والسياسية ودول عربية أخرى مثل “الأردن ومصر والبحرين والامارات” هي علاقات مستمرة ولم تنقطع أبدا.
وتابع: بالتأكيد هناك مكاسب اقتصادية، وهي تسهيل عملية التجارة ودخول البضائع من وإلى سورية، وهذه البضائع تكون متوجهة للأردن ومن ثم إلى دول الخليج وكما نعلم أن هناك العديد من الفعاليات الاقتصادية السورية تشارك في المعارض الدولية التي تقوم في الإمارات ودول خليجية أخرى، والآن أصبح بمقدور هذه الفعاليات إخراج بضائعهم من سوريا للمشاركة في هذه المعارض ومن ثم إعادة إدخالها إلى سوريا من جديد، وبالتالي ستكون حركة المرور التجاري أسهل بكثير مما كانت عليه من قبل.
وأعرب “جزماتي” عن اعتقاده، بأن إعادة فتح معبر نصيب سيؤدي إلى أن تقوم الحكومة الأردنية، بالضغط أكثر على المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين المتواجدين على أراضيها إلى الداخل السوري، وهذه حقيقة مشكلة بالنسبة لبعض هؤلاء اللاجئين الذين هم بالأصل مطلوبين للنظام سواء كانوا مطلوبين سياسيا أو مطلوبين لأداء الخدمة العسكرية لدى النظام.
وفيما يتعلق بمعبر “القنيطرة” استبعد “جزماتي” أن يحقق نظام الأسد أيّ فائدة منه، مرجعًا سبب ذلك إلى كونه معبر دولي خاضع لسيطرة الأمم المتحدة، فلا يمكن أن يستفيد منه النظام شيئا بشكل رسمي وعلني كونه لا يخضع لسيطرته وسلطته.
أما فيما يخص موضوع المعابر الحدودية العراقية السورية، فرأى “جزماتي” أن هذا الموضع شائك كون أمريكا أقامت العديد من القواعد العسكرية وخصوصًا في منطقة “النجف” والشريط الحدودي الشرقي لسوريا، وبالتالي فإن أمريكا تقوم بدعم القوات الكردية وتثبيت وجودها في هذه المنطقة لقطع الطريق على إيران من إيصال ثرواتها الطبيعية إلى الساحل السوري.
وأضاف، أن هذا الطريق الذي سيمكن أن يؤدي إلى تقصير المسافة لتصدير البضائع وخاصة النفط والغاز، من خلال العراق والبادية السورية إلى البحر المتوسط، ولكن بوجود القوات الامريكية في البادية السورية فإنها تقطع ذلك الطريق على إيران من إيصال هذه البضائع والثروات الى منطقة البحر المتوسط ومن ثم إعادة تصديرها إلى دول أوروبية عديدة.
وتابع: لا أعتقد أن أمريكا ستتنازل عن هذه المعابر إلا عندما تأخذ ضمانات حقيقية من روسيا، بعدم دخول أي من الثروات الإيرانية عبر هذه المعابر.
إعادة فتح المعابر أم إعادة تعويم النظام؟
وعن رأيه في موضوع فتح المعابر وانعكاسات ذلك الأمر على نظام الأسد، قال الصحفي “سمير السعدي” لحرية برس: إن معبر “نصيب” هو بوابة الخليج لسورية، وإن إعادة فتح المعبر هو بمثابة إعادة شرعنة وتعويم للنظام، وربما يكون لاحقًا هناك إعادة تطبيع للعلاقات ما بين النظام ودول الخليج، وبالتالي فإن بسط سيطرة النظام على المعابر تعني أن نظام الأسد ما يزال قوي وقادر على ضبط الحدود، وبالتالي هو أفضل الموجودين للعمل معه.
أما من الناحية الاقتصادية، فبيّن “السعدي” أنه ومنذ بدأ فتح المعبر كان هناك طلب كبير على الليرة السورية وهذا سينعكس بشكل كبير على سعر الصرف مقابل الدولار، وربما ترتفع قيمة الليرة السورية خلال الأيام القادمة ما ينعكس بشكل إيجابي على النظام.
وفيما يخص إعادة فتح “معبر القنيطرة” فاعتبر “السعدي” أن هذا الأمر رسالة إسرائيلية مفادها أنه اعتراف ضمني بهذا النظام، يضاف إلى ذلك إعادة قوات “الأندوف” إلى نقاط تمركزها في السابق على الشريط الحدودي، فكل ذلك يوحي بأنها رسائل من “إسرائيل” والأمم المتحدة لرأس النظام بشار الأسد، بأن هذا اعتراف بك وأن من سبقك وتواجد بهذه الأماكن كان توصيفها مجرد ميليشيات، وأنه بمجرد سيطرتك على تلك المناطق نحن تلك فتحنا المعابر معك وباشرنا التعامل معك بصورة علنية.
Sorry Comments are closed