في انتظار إعادة الإعمار.. البشر قبل الحجر

عماد غليون20 أكتوبر 2018آخر تحديث :
في انتظار إعادة الإعمار.. البشر قبل الحجر

تبرز بين فينة وأخرى دعوات لإعادة الإعمار في سورية وسط أحاديث توحي بأن العملية وشيكة مع اقتراب البدء بالعملية السياسية التي تقلصت في الآونة الأخيرة باتجاه تشكيل لجنة دستورية لا أكثر.

جرى قبل سنوات تصور وقائع سيناريو اليوم التالي لسقوط نظام الأسد؛ وذلك من خلال أبحاث ودراسات تم إعدادها في ألمانيا بحضور خبراء وناشطين شباب؛ حيث كان الهدف الأساسي الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انهيارها؛ ورغم الخلافات والتباينات الشديدة هل هي مؤسسات الدولة أم النظام؟ فقد تبنت هيئات المعارضة المختلفة تلك النظرية واعتمدتها استراتيجية لها؛ وأفضى ذلك بالفعل للحفاظ على النظام ثم تعويمه باعتباره المسيطر على العاصمة  والمنشآت الحيوية والمؤسسات السيادية والتمثيل الرسمي الدولي لسورية.

ليس هناك أيّ ظروف موضوعية لإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة؛ ولا يدخل في ذلك بعض عمليات الترميم البسيطة لإعادة دورة الحياة التي تجري في بعض المناطق التي بدأت تشهد هدوءاً نسبياً؛ وتقتصر تلك الأعمال على إعادة الخدمات الأساسية وينفق عليها جزء بسيط من أموال المساعدات المقدمة للنظام؛ وقد استغلها النظام بشكل دعائي لتحسين صورته دولياً وأنه جاهز لاحتضان اللاجئين والنازحين العائدين.

في ظل استمرار الأوضاع المأساوية يبدو الحديث عن إعادة الإعمار للاستهلاك السياسي لا أكثر؛ حيث الأراضي السورية مقسمة لثلاثة مناطق نفوذ وسيطرة رئيسية موزعة بين النظام وتركيا مع المعارضة والتحالف الغربي مع قوات سورية الديمقراطية؛ ولا وجود لدولة سورية تمتلك سلطات مركزية على كامل التراب السوري.

من هي الدولة والجهة التي ستشرف على إعادة الإعمار؟ يجب على القوى الوطنية التوقف عن المشاركة في عمليات ترقيعية تجعل البلاد عرضة لانفجارات قادمة لا محالة؛ والتوجه لإنجاز عملية انتقال سياسي حقيقية تضمن خروج كافة القوات الأجنبية وإغلاق القواعد العسكرية وانبثاق سلطة وطنية تمثل كافة السوريين في عملية قائمة على مبادئ العدالة الانتقالية.

بعد ذلك يفترض تشكيل وزارة وهيئات مستقلة من خبرات وكوادر وطنية؛ تتمتع بالنزاهة والشفافية في كافة مفاصل عملها حيث يستشري فساد واسع عادة في مثل هكذا حالات؛ وأن يتم توفير التمويل المطلوب لها بناء على خطط لتحقيق الإنماء الوطني المتوازن على الصعيد الوطني.

هنالك أولوية للانطلاق بإعادة بناء وتأهيل العامل البشري؛ يبدأ ذلك بإطلاق سراح كافة المعتقلين والمختطفين والكشف عن مصير المفقودين؛ والقيام بإحصاء شامل للمعاقين والمشوهين والجرحى؛ وضمان حصولهم على تعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية التي تعرضوا لها؛ وتأمين الحياة الكريمة والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية لهم.

لا بد من تواجد بيئة قانونية مناسبة تضمن تحقيق العدالة وتعيد التوطين بعد إنهاء الملفات المتشابكة الناجمة عن عمليات التغيير الديمغرافي الممنهج؛ وإعادة الأراضي والأملاك المسلوبة بفعل القوانين الغير شرعية خاصة بعد الثورة  التي جرت فيها عمليات مصادرات جائرة لأسباب سياسية وانتقامية؛ وإلغاء كافة المخططات التنظيمية التعسفية وإعادة دراستها من جديد؛ ولا بد من  إعادة دراسة وإبطال ملفات التجنيس الواسعة التي قام النظام من خلالها بمنح الجنسية لمقاتلين من ميليشيات طائفية في صفوفه.

ينبغي استكمال شروط البدء بعملية إعادة الإعمار وعدم القفز فوقها أو تجاوز بعضها؛ وتبرهن التجربة أن ذلك يشكل حالة متأزمة وقابلة للانفجار باستمرار فيما بعد مع تغير ظروف العملية السياسية وهو ما يحصل بالفعل في لبنان وأفغانستان والعراق.

تعرضت سورية لخسائر فادحة يصعب تقديرها وتصورها على مختلف الأصعدة وأهمها الجانب الاقتصادي بفعل حرب ظالمة شنها النظام على الشعب المطالب بالحرية والكرامة؛ ولا يمكن للموارد الوطنية تغطية الخسائر وتوفير احتياجات عملية الإعمار؛ ولا يتوقع تدفق دعم سخيّ من الخارج فالجميع يبحثون عن مصالحهم؛ لكن الغريب كان اندفاع كلّ من  روسيا وإيران لريادة العملية رغم أن ظروفهما الاقتصادية لا تسمح بذلك؛ ولا دورهما المدمر يتيح بتوفير غطاء شعبي قبول؛ لكن البلدان في انتظار مرحلة جني الغنائم كما يبدو؛ وقد بدأ ذلك بالفعل من خلال استثمار موارد وثروات وطنية وهبها النظام لهما مقابل حمايته واستمراره.

الشرط الأهم لضمان نجاح عملية إعادة الإعمار هو عودة اللاجئين بشكل أمن وريادة وأولوية رأس المال والخبرات الوطنية؛ والثقة متوافرة بأن السوريون قادرون على مواجهة كافة التحديات والنجاح لو استطاعوا امتلاك زمام المبادرة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل