مثلث الموت

المشهد ليس غريباً فالمكان في دولة عربية وأبطال القصة عرب والأحداث تدور حول مصير الآلاف من شعب سوريا الذي أصبح مجرد أرقام في سجلات الموتى أو المعتقلين أو اللاجئين ولكن قد تبدو القصة المؤثرة والأكثر ملامسة لواقعنا اليومي هي مخيمات الموت والتي أبت نفوس ساكنيها العيش بذل وهوان تحت رحمة سفاحي العصر، ولكن لم يجد هذا الشعب ضالته وخاصة لدى جيرانه من العرب بل ما زاد في وجعه أن يجد من الذل ما يفوق ذل عصابة الأسد.

لا يحتاج الأمر إلى كثير من الإنسانية لتحس بأوجاعهم بل يكفي أن تلقي نظرة عابرة على تلك الخيام المتراصفة والتي لا تكاد تقوى على الوقوف حتى تدفع الحر والبرد وغبار الصحراء والنفوس الدنيئة التي جعلت منهم وسيلة لتكديس الأموال وباباً للاسترزاق، وقد يقول قائل أن بعض الدول كتركيا والأردن من الدول التي رأفت بحال شعبنا وسمحت لهم بالعيش فوق أراضيها في حين أن باقي الدول العربية رفضت استقبالهم وكأنهم يحملون الطاعون. ولكن أي إنسانية هذه التي تحمل دولة عربية كالأردن أن تقيم هذا السجن المسمى بمخيم الركبان في صحراء لا تعيش فيها حتى البهائم أم أن موقعه بين ثلاثة دول لم تدخر جهداً في ممارسة سياسة القتل ضد شعوبهم فكيف لهم أن يصبحوا حماة لهؤلاء الناس العزل، إن المكان الذي أنشئ فيه هذا المخيم يشبه إلى حد كبير تلك السجون السرية الموجودة في الصحارى حيث لا يحده إلا الموت من كل جانب حتى صار الموت فيه الطريقة الوحيدة للخلاص منه.

أكثر من خمسين ألفاً أشبه بالأموات لا يعينهم على العيش سوى ما يأتيهم من فتات مساعدات دولية يقاسمهم عليها الكثير من الطفيليين ولو أن الأمر انتهى عند لقمة العيش لكان أمراً هيناً بل وصل إلى أن يعتبروهم عالة وسبباً في كل ما يصيب مملكتهم من جرائم وفوضى أو سوء في الخدمات. وليس هذا بالكثير إذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء إلى عام 1970 حيث أقدمت حكومة الأردن على قصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من جحيم الحرب بحجة القضاء على الفدائيين فأي ذنب وأي عذر يستدعي قتلهم وقتل من معهم.

لم يكن مطلب من لجأ من سوريا إلى دول الجوار أن يحصل على معيشة توازي تلك التي كان يعيشها في بيته لأنه مدرك تماماً أن ذلك لن يحصل بل كان يأمل فقط أن يلقى اهتماماً ينسيه ما حمله معه من أوجاع ستلازمه طوال عمره، ولو أن شعباً غير الشعب السوري هو من شرد من أرضه لرأيت دول العالم تعقد الاجتماع تلو الاجتماع وتطالب المنظمات العالمية بالتحرك وتجمع الملايين رفقاً بهم ولكان العرب أول الغيورين على هؤلاء الناس وأكثرهم كرماً، ولكن المطالبة بالتحرر من استبداد الحاكم يجعل كل فراعنة العصر يخافون أن تنتقل العدوى إلى شعوبهم ويطالبون باستعادة كرامتهم لذلك صبوا جام غضبهم وعقابهم على شعب سوريا.

إن المسؤولين عن مخيم الركبان ليسوا وحدهم من تجمد ضميرهم وأصبح عديم النفع، وليست المشكلة في عدم توفير الحاجات الضرورية كالغذاء والماء والطبابة والتي تعتبر من أولى الحاجات التي يجب أن تكون موجودة ولا تحتاج إلى مظاهرات أو مناشدات دولية حتى يتم تأمينها ولكن يبدو أنهم جعلوا من هذا المخيم قضية سياسية يثيرونها كل ما أرادوا ذلك مستخدمين من يموت ومن يجوع ومن يمرض في هذا المخيم لإحداث ضجة إعلامية وتعبئة جيوبهم على حساب آلام الناس.

ليس أمام هذا الشعب العظيم إلا أن يتعلق بأي قشة لتنقذه من غرقه وربما يكون أهون عليه ألف مرة أن يغرق في طين المخيمات ويقاسي حرارة الصحراء وغبارها والانتظار لساعات للحصول على الماء وتحمل استغلال المسؤولين من أن يعود إلى بلده وبيته المدمر منتقص الكرامة ذليل فهو لم ينتفض بوجه ظلامه من أجل لقمة العيش بل من أجل العيش بكرامة.