عانت سوريا مثلها مثل بقية دول الربيع العربي من الاستبداد والفساد والإفقار والنهب والتسلط الأمني ..الخ، وبهذا كانت الظروف الموضوعية لانطلاق الثورة السورية ناضجة، وفعلاً لم يتأخر الشعب السوري عن اللحاق بركب ثورات الربيع العربي، والتي طالبت بتغيير الواقع من أنظمة مستبدة عميلة للخارج، تنهب شعوبها، وتسمح للخارج بنهب ثروات البلاد، وتفتح أسواقها أمام بضائع الخارج، وتغلق باب التصنيع المحلي، وتحارب الإبداع والابتكار خدمة لمصالح الإمبريالية والشركات العالمية العابرة للقارات، إلى أنظمة ديمقراطية تعددية.
أثرت السنوات الطويلة من القمع والاستبداد والفساد وتغييب السياسة عن المجتمع من قبل نظام الأسد على الواقع السوري، فخرجت قيادات مذهبية طائفية وقومية وعشائرية ومناطقية تسببت بانقسام وتشظي العمل الثوري، فكنا نرى أحياناً وفي نفس القرية عدة ألوية وكتائب للجيش الحر، فكل عائلة أو قبيلة أو شخصية مجتمعية جمعت حولها عشرات المقاتلين، ثم أطلقت عليهم تسمية لواء أو كتيبة أو ما شابه، ونفس الأمر ينسحب على النشاط الثوري الجماهيري الذي سبق العمل العسكري، فقد كنا نرى أحياناً في نفس الحي عدة تنسيقيات.
بالمقابل عاشت القوى السياسية – التي كان يفترض بها التجمع والتوحد من أجل قيادة العمل الثوري – الانقسامات والصراعات البينية ولهثت وراء الخارج تطالبه بالتدخل لإنجاح ثورة الشعب السوري، وانعكست هذه الصراعات البينية – ولازالت – على النشاط الثوري الجماهيري، فشهدنا جمعة هيئة التنسيق لا تمثلنا، ويمكن أن نقول أن قوى الإسلام السياسي بجميع تفرعاتها كان لها دور كبير في هذه الانقسامات بسبب الأنا المتضخمة لديهم، ومحاولاتهم المستمرة للهيمنة على الثورة، ولنا أن نذكر اتهام هيئة التنسيق بأنها صنيعة مخابرات الأسد وعميلة له، من قبل محمد علوش القيادي في المجلس الوطني القادم عن الحراك الثوري، والمنتمي للسلفية الجهادية، ثم وبعد عدة سنوات نجده شريك هيئة التنسيق في هيئة المفاوضات التي أصبح كبير مفاوضيها، واستمرت هذه الصراعات والانقسامات البينية بين أفرقاء كان من المفترض بهم التعاون والتكاتف في مواجهة نظام مجرم مدعوم دولياً.
ولا زال أمثال هؤلاء يتذرعون بأي خطأ تقوم به القوى الأخرى، ويشنون عليها الحملات والاتهامات، ويلفقون الأكاذيب، وينسوا ما فعلوه هم من خطايا كان لها الأثر المدمر على سوريا وشعبها وثورتها، وكل هذا كي يكونوا هم في الحكم، حتى لو كان حكم قرية صغيرة في أقصى أطراف سوريا، وهذا ما شهدناه من الهجوم على الائتلاف والحكومة المؤقتة، والدعوة للمؤتمر السوري العام في إدلب الذي انبثقت عنه حكومة الإنقاذ لينقسم الشمال المحرر بين حكومة انتقالية تابعة للائتلاف، وبين حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام (تنظيم القاعدة)، وكلاهما يقصي ويستبعد بقية أطياف المعارضة السياسية، ويمارس نفس ممارسات نظام الأسد في المناطق التي تتبع له.
هذه الظروف الذاتية غير الناضجة أخرت الثورة لسنوات، وجعلتنا ندفع – ولا زلنا – أثماناً باهظة، وقلت مراراً وتكراراً إن هناك ضرورة لمؤتمر وطني لقوى المعارضة والثورة السورية كي ينتج برامج ورؤى للمرحلة القادمة، ويختار قيادة تشرف على جميع الأعمال والأنشطة الثورية، لكن كان يقابل هذا الكلام بالسخرية وعدم الاهتمام، فالائتلاف هو الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية.
في لقاء جمعني ووفد من شخصيات سورية في القاهرة مع قيادة الائتلاف المشكل حديثاً وحضر عن الائتلاف كلاً من الشيخ معاذ الخطيب والسيدة سهير الأتاسي والأستاذ رياض سيف، قال لنا الأخير أنه قام بجولة ضمن 14 دولة ومن خلالها تم الحصول على الموافقة على تشكيل الائتلاف، يومها قلنا لهم إن الادعاء بأنكم الممثل الشرعي والوحيد هو ادعاء يماثل ادعاء حزب البعث بأنه قائد للدولة والمجتمع، وإن هناك قوى أخرى لازالت موجودة خارج الائتلاف يجب التواصل معها وإدخالها لتوسيع تمثيله وليكون قائداً حقيقياً وفعلياً للنشاط الثوري، إلا أن طلبنا لم يلقَ آذاناً صاغية، وتكررت اللقاءات وفي كل مرة كنا نطلب نفس الطلبات، وكان التجاهل سيد الموقف، وفي آخر اجتماع مع الائتلاف – منذ حوالي عام ونصف – التقينا مع لجنة الأحزاب – بناءً على طلبهم – وكان الحديث عن ضرورة تحصين الوحدة الوطنية، وتقوية المعارضة الوطنية الديمقراطية في مواجهة التفرد الروسي بالقضية السورية، وأوضحنا لممثلي الائتلاف ضرورة عقد مؤتمر وطني وقوبل طلبنا بالاستغراب معتبرين أننا نحلم، فقلنا لهم على الأقل تواصلوا مع أفرقاء المعارضة الأخرى، وشكلوا حكومة انتقالية جامعة لكل قوى المعارضة وأيضاً لم يلقى بالٌ لطلبنا، وكان سقف ممثلي الائتلاف هو توسعة وضم وجوه جديدة نظيفة ذات تاريخ ثوري ليتم تبييض صفحتهم، وهذا ما رفضناه وأكدنا على طلباتنا بمؤتمر وطني لقوى الثورة والمعارضة الوطنية الديمقراطية.
عذراً التعليقات مغلقة