الفساد القضائي في سورية حتى انطلاق الثورة [1-4]

سليمان نحيلي15 أكتوبر 2018آخر تحديث :
سليمان نحيلي

قال القاضي: (بعد أن دسَّ في جيبهِ ظرفاً ورقيّاً يبدو عليه الامتلاء):
أتعلمُ يا أستاذ أنّ المبلغ الذي تقاضيتُهُ منكَ لقاء حسم القضية لصالحِ موكلك ليس رشوةً.
المحامي (مندهشاً): ماذا تسميها إذن يا سيادة القاضي؟
القاضي (بثقة): إنها من قبيلِ التكافل الاجتماعي يا أستاذ، أوليسَ للمحتاج حق معلوم في أموال الأغنياء؟!
المحامي (مذهولاً): بلى.
القاضي (متضاحكاً بلهجة المنتصر): وبذلك يا أستاذ يتمّ توزيع الثروة في المجتمع بشكلٍ عادل، ويتحقق مبدأ التكافل الاجتماعي.
إنّ ما سبق ليس حوارا مقتطعا من مسرحيةٍ ما، أو جانباً من قصة أدبيّة، إنه حديثٌ جرى بالفعل بين قاضٍ ومحامٍ في القصر العدلي بحمص.
بهذه الواقعة أستهلُّ سلسلتي التي سأتحدّث بها عن الواقع الصّادم للفساد في أجهزة القضاء السوري في ظلّ حكم آل الأسد الأب والابن، نظراً للتشابه المتطابق تقريباً للفساد القضائي في عهدهما، ولكون حكم بشار الابن امتدادا لحكم أبيه، إلا أنه في عهد الابن أصبح الفساد القضائي منظومة لها أُسسها الهرمية التراتبيّة وفق مبدأ: (الصغير يأكل ويطعم الكبير).
وبحكم ِممارستي لمهنة المحاماة على مدى خمسة عشر عاماً، رافعتُ خلالها في المحافظات السورية كافةً، في مدينتي حمص، الأمر الذي أتاح لي المعايشة اليومية لواقع العمل القضائي، لذلك أتناول الفساد القضائي في سوريا عامة ً وحمص خاصة، لكونها مدينتي، وتركز جُلُّ عملي أمام محاكمها، ولكون الفساد استشرى فيها بشكل فاق بقية المحافظات، حتى شاعَ بين الناس مقولات مثل (الفساد بحمص غير شكل، والرشوة بحمص على عينك يا تاجر، وعبّي جيبتك تربح قضيتك).
ونظراً لكون أسباب الفساد القضائي وأنواعه وآلياته وشموله هي ذاتها في عهد حافظ الأسد وابنه، فسأتناولها معاً، إلاّ أنني سأعرضُ لصور الفساد- وهو الجزء الأخير من السلسلة- على مرحلتين:
مرحلة ما قبل الثورة السورية، ومرحلة ما بعد انطلاق الثورة، نظراً لنشوء عوامل وظروف مختلفة، وصدور قوانين جديدة أفرزتها الثورة ومجرياتها، كقانون مكافحة الإرهاب والقانون رقم 10 لعام 2018 من نظام الأسد.
أولاً – أسباب الفساد القضائي:
1-أسلوب تعيين القضاة: حيث يتمّ ذلك وفق أساليب غير قانونية وغير عادلة عبر دفع الرشوة لأصحاب القرار بالتعيين، أو عبر المحسوبيات أو بالتّزكية حالَ كان القاضي المُعيَّن منتسباً لحزب البعث الحاكم ولنا أن نتوقع بعد ذلك، ما هو نهج القاضي في عمله عندما يُعَيَّنُ استناداً لهذا الأسلوب.
2- عدم موضوعية معايير التعيين: لا يلعب عامل الكفاءة العلمية والأخلاقية للقاضي الدور الأهم لدى تعيينه، بل يخضع ذلك لاعتبارات الولاء السياسي والدراسة الأمنية المتعددة الجهات، ولاعتبارات الموازنة بين الطوائف والعشائر والمناطق.
3-التبعية السياسية: يكفي أن نعلم أن تسعين بالمئة من القضاة في سورية ممن ينتمون لحزب البعث. وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها ويتحكّمُ بها حزب البعث الحاكم للدولة والمجتمع في سورية، وبالتالي فكثيراً ما يتعرض القاضي للضغط عليه من قبل بعض الشخصيات الحزبية الرفيعة بهدف التّوجهِ بقضيةٍ ما باتجاه معيّن لصالح أحد أطراف الدعوى.
4- ضآلة راتب القاضي، وضآلة الميزات التي تعزّزُ استقراره المادي ومكانته الاجتماعية: ويكفي القول بأنّ راتبه لم يكن يوفر له الحياة الكريمة المتوجب توفرها لقاضٍ، يُفترض بحكم حساسية عمله ومنصبه، أن يكون بعيداً عن تأثيرات الوقوع بالحاجة وعدم الاستقرار المادي، إنّ القاضي لم يكن يستحقّ من وزارة العدل سيارة إلا عند بلوغه درجة مستشار في حين يُمنحُ صف ضابط في أي فرعٍ أمني سيارة، إن هذا الواقع سيجعله يشعر بالغبن ويغوي ضعاف النفوس من القضاة بالرشوة والفساد.
5 -عدم فعّالية جهاز التفتيش القضائي: وهو جهة قضائية رقابية من أبرز مهامها الاطلاع على ملف أية دعوى، ورصد أي خللٍ في إجراءات المحاكمة، يظهرُ منه تحيُّز القاضي أو عدم نزاهته، ولا يقتصر دورها على كشف السلبيات، إنما عليها إبراز إيجابياتِ عملِ كلِّ قاض ٍ وكفاءته، وعليه فإن الفساد تسرّب حتى إلى هذا الجهاز الهام، وبالتالي كان عمله في الغالب التغطية على القضاة الفاسدين، وعدم الإشادة بالقضاة الشرفاء والأكفاء، الأمر الذي أدى إلى تراكم الفساد وانتشاره، وإلى شعور القاضي المجتهد والشريف بالغبن والاستياء، وكان لذلك السبب دور كبير في انحراف بعض القضاة عن نزاهتهم التي عُرفوا بها في مستهل عملهم القضائي.
6 -عدم استقلالية السلطة القضائية: ويكفي لبيان ذلك معرفة أن مجلس القضاء الأعلى في سورية، يترأسه بحكم الدستور رئيس السلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية، والتي من المفترض دستورياً استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية في كل دولة لضرورة تحقيق الحرية والحيادية وعدم الخضوع والنزاهة في عملها.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل