غزة على أعتاب كارثة بيئية تهدد واقع المياه والصرف الصحي

فريق التحرير14 أكتوبر 2018آخر تحديث :
عدد من الأطفال الغزيين يلهون بجانب أحد مصارف التخلص من المياه العادمة على شاطئ مخيم الشاطئ شمال غرب مدينة غزة، السبت 13 أكتوبر 2018، عدسة فارس أبو شيحة، حرية برس

غزة – فارس أبو شيحة – حرية برس

يعاني أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في العديد من المناطق داخل قطاع غزة المحاصر، من الملوحة الشديدة للمياه المستخدمة في الشرب والمزودة من قبل بلديات غزة وضخها إلى منازل المواطنين دون وجود البدائل في ذلك، ويرجع ذلك إلى الحصار “الإسرائيلي” المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات.

ويقول “رمزي أهل” مدير المياه والصرف الصحي في بلدية غزة لحرية برس، إن” قطاع غزة يعاني من نسبة ملوحة المياه العالية وارتفاعها، حيث أنها وصلت إلى أرقام قياسية جداً وغير مسبوقة، فالمياه الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي المستخرجة من الخزان الجوفي أقل من 2%، أما المياه الغير الصالحة للشرب وصلت إلى أكثر من 98% في كافة المناطق قطاع غزة”.

المهندس رمزي أهل مدير المياه والصرف الصحي داخل بلدية غزة

كثافة سكانية عالية

وبين أهل، أن الكثافة السكانية العالية والمرتفعة التي يشهدها قطاع غزة تلعب دوراً كبيراً، حيث تعد غزة من أكبر الكثافة السكانية المأهولة في العالم، ويصل عدد السكان في الكيلو المربع الواحد إلى 6000 ألاف شخص، إلى جانب أن عدد سكان قطاع غزة يزيد عن 2 مليون نسمة، يعيشون داخل سجن كبير يبلغ مساحته 365 ألف كيلو مربع من المواطنين الفلسطينيين.

وأكد أهل، أن سكان قطاع غزة يعتمدون بشكل أساسي على خزان المياه الجوفي، واستخراج المياه من داخل الخزان الجوفي، إلى جانب الضخ المستمر والمتواصل من المياه للمواطنين، وصل إلى 180 مليون متر مكعب سنوياً، على الرغم من أن التدفق الجوفي من المياه الراجعة نتيجة مياه الأمطار وعن طريق التدفق الطبيعي للخزان الجوفي من فلسطين الطبيعية لا يتجاوز 50 إلى 60 مليون متر مكعب سنوياً.

عجز مائي

وأوضح أهل، أن قطاع غزة يعاني من عجز في المياه سنوياً يصل إلى 120 مليون متر مكعب، وأن هذا الأمر يختلف عن باقي المناطق كالضفة الغربية، حيث يتم تعويض كمية العجز المائي من البحر ذو المياه المالحة، مبيناً أن مياه البحر تهجم على الخزان الجوفي بسبب نسبة هبوط وانحسار الخزان، بالإضافة إلى العجز المائي الشديد داخل الخزان الجوفي الساحلي داخل مناطق قطاع غزة.

وأردف أهل، أن الخزان الجوفي الساحلي وهو جزء من الخزان التاريخي لفلسطين، والذي يبدأ من جبال الكرمل في نابلس شمال الضفة الغربية، حيث يمتد سلسلة الخزان الجوفي الساحلي وصولاً إلى منطقة العريش داخل جمهورية مصر العربية.

وأشار إلى أن جميع الدراسات وورشات العمل التي عقد منذ العام 1998 على الصعيد المحلي والدولي، قد حذرت من أن الخزان الجوفي الساحلي في العام 2015، سيصبح مريضاً وغير قادر على العمل وأن نسبة المياه الغير الصالحة للشرب ستصل إلى أكثر من 95% من تلك المياه.

المشاريع متوقفة

وعلى الرغم من وجود العديد من التوصيات التي تمت خلال تلك الورشات والجلسات التي عقدت آنذاك، من أجل الحد من تلك الكارثة الخطيرة على سكان قطاع غزة وحل المشكلة، بسبب الإحتلال الإسرائيلي والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ سنوات عديدة، من أجل السماح بإدخال المعدات الجديد لإنشاء محطة مياه مركزية داخل القطاع كبديل عن الخزان الجوفي لاستخراج بقدر لا يقل عن 100 إلى 150 مليون متر مكعب سنوياً.

وبيّن أهل، أنه “كان من المفترض إنشاء تلك المحطة بعد تلك التوصيات من قبل ورشات العمل والمشاريع التي طرحت للخروج من الكارثة والحد منها والحصول على تمويل دولي من قبل المانحين، في العام 2002، لكن مع الأسف لم تنشئ تلك المحطة بسبب الاحتلال والحصار المفروض على القطاع بعد ذلك”.

ويضيف المسؤول، أنه “كان من المقرر أيضاً إنشاء محطة معالجة مركزية للمياه الصرف الصحي تقدر طاقتها بـ 120 ألف متر مكعب يومياً، وأن هذه المياه المعالجة المستخرجة كانت ستستخدم في ري المزروعات والتي تستهلك كميات كبيرة من الخزان الجوفي، حيث تقدر تلك الكمية المستهلك ب80% من الخزان، وأن هذا الأمر سيساهم في حل جزء كبير من تلك المشكلة لواقع المياه في القطاع.”

وشدد المهندس أهل، على أن “الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي في وصولنا إلى العجز والعوز المائي داخل قطاع غزة حتى يستطيع أن يسوق لمياه التحلية التي ينتجها سنوياً من 400 إلى 800مليون متر مكعب لسكان غزة والضفة الغربية وبيعها لهم، حيث أن الاحتلال قد طور من نفسه في مجال إنشاء العديد من المشاريع لمعالجة المياه المالحة ومياه الصرف الصحي باستخدام التقنيات الحديثة والمتجددة”.

محطة التحلية المركزية

مؤشر النسب خلال عملية معالجة المياه المالحة التي يتم استخراجها من داخل البئر في أحد محطات التحلية في قطاع غزة، السبت 13 أكتوبر 2018، عدسة فارس أبو شيحة، حرية برس

وعلى صعيد المشاريع قال مدير المياه قال المهندس أهل، أنه خلال الفترة الأخيرة الماضية تم عقد مؤتمر في مدينة مارسيليا بفرنسا في العام 2012 لمناقشة واقع المياه في قطاع غزة، إلى جانب العمل على إنشاء محطة مياه مركزية على السهل الساحلي لغزة لحد الكبير من ملوحة المياه والكثافة السكانية العالية بقيمة 600 مليون دولار، لكن لم نحصل سوى 10 مليون دولار من أجل تمويل المشروع من قبل المانحين لدعمه.

وأشار أهل، إلى أن المشاريع القطرية على صعيد المياه وملوحتها، لم تساهم في الحل الجذري للمشكلة، بل ساعدت في تطوير بعض المشاريع مثل” بركة الشيخ رضوان” وسط مدينة غزة والتي شهدت قبل سنوات غرق العديد من الأحياء بسببها بفعل المنخفضات الجوية خلال فصل الشتاء.

وذكر أهل، أن ضح المياه من أجل وصولها إلى كافة منازل المواطنين والأحياء داخل قطاع غزة، تحتاج إلى الوقود “السولار” نتيجة أزمة الكهرباء وانقطاعها المستمر، حيث يصل استهلاك السولار الصناعي إلى 120 ألف لتر شهرياً، وهذا الأمر أدى إلى انخفاض منسوب المياه للمستهلك من المواطنين إلى ( 50 -60 لتر) من المياه على مدار اليوم الواحد.

كارثة بيئية

أحد مصارف التخلص من المياه العادمة إلى شاطئ البحر وهو ما يسبب تلوث مياه البحر، السبت 13 أكتوبر 2018، عدسة فارس أبو شيحة، حرية برس

وتوقع المهندس أهل، أنه في حال لم يتم حل مشكلة المياه والصرف الصحي ومعالجتها داخل قطاع غزة خلال السنوات والأشهر القادمة، فإن القطاع أمام كارثة بيئية على صعيد مياه البحر الملوث بفعل عدم معالجة مياه الصرف الصحي وأزمة الكهرباء المستمرة، وأن عدم توفر الكهرباء لضخ مياه الصرف في بعض الأحياء داخل مدينة غزة وتوقفها لساعة واحدة فقط، سيؤدي ذلك إلى غرق منازل المواطنين بتلك المياه، في ظل الإمكانيات المحدودة على صعيد البلديات العاملة داخل قطاع غزة.

وفي ذات السياق، أفاد المواطن الغزيّ محمود الحلبي وهو صاحب أحد محطات التحلية العاملة بمدينة غزة لحرية برس، بأن” المحطة التحلية تعالج ما يقارب 70% من المياه المالحة لكي تصبح صالحة للشرب والاستخدام الأدنى للمواطنين و 30% الباقية تستخدم كمياه للري المزروعات والتنظيف”.

وأوضح الحلبي، أن نسبة الملوحة داخل البئر تزداد كل عام، فقد وصلت نسبة الأملاح داخل بئر المحطة إلى
(5000 – 700) في اللتر المكعب الواحد من الماء، بعدما كان متوسط الأملاح فيه قبل سنوات من (100- 1200) في اللتر الواحد المكعب بسبب مياه البحر.

مياه التحلية

إحدى سيارات توزيع مياه التحلية لمنازل المواطنين حيث يتم معالجتها داخل أحد محطات التحلية بمدينة غزة، السبت 13 أكتوبر 2018، عدسة فارس أبو شيحة، حرية برس

من جانبها تشكو المواطنة (أم العبد)، من الملوحة المرتفعة في مياه الصنابير داخل منزلها، حيث أنها لجأت إلى مياه التحلية وشرائها لاستخدامها في كل شيء داخل المنزل كالطهي والغسيل وغير ذلك، بديلاً عن المياه المالحة التي سببت المشاكل الكثيرة داخل المنزل نتيجة ملوحتها.

ويتفق المواطن (أبو محمود الخضري) مع قول المواطنة (أم العبد)، حول نسبة المياه المرتفعة داخل مياه الصنابير، حيث أنه ينتظر الساعات الطويلة من أجل الحصول على المياه أقل ملوحة وفق جدول الموزع من قبل سلطة بلدية غزة، حتى يقوم بري المزروعات داخل حديقة منزله.

وقال الخضري إن المياه المالحة قد سببت خسائر كبيرة في محصول مزرعته نتيجة استخدامها، مردفاً أنها أتلفت العديد من الثمار والأشجار داخل حديقته.

ويبقى السؤال إلى متى سيظل الاحتلال الإسرائيلي يتحكم في مصادر المياه للخزان الجوفي داخل قطاع غزة، عبر تركيب العديد من المضخات على حدود قطاع غزة وسرقتها لتزويد المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل