المصيدة الدينية

وليد أبو همام12 أكتوبر 2018آخر تحديث :
وليد أبو همام

ما الغاية التي يبغيها نظام الأسد من وراء تسليط الضوء على وزارة الأوقاف؟ هل هي نواياه الحسنة في تصحيح مفهوم الشعب عن طبيعة علاقة الدولة بالدين؟ أم أنها فخ للقضاء على كل فكر ديني يراود القابعين تحت سلطته؟

من خلال الرجوع إلى ظهور و اندثار بعض الجماعات إن كانت سياسية أو عسكرية أو دينية سواء كانت متشددة أو معتدلة موالية أو معارضة للحكم نرى أنه بمجرد أن تندمج مع الحكومة وتشارك في العمل السياسي فإنها تذوب في متاهات السلطة و مع مرور الوقت لن يبقى لها أي وجود.

ويبدو أن نظام الأسد ومن خلال تجاربه خلال الأعوام السبعة من عمر الثورة والتجربة السابقة في الثمانينات استطاع أن يجر الثورة في بعض المراحل إلى مواقع مكروهة عالمياً وخاصة توجهها الديني الذي أعتمد في أغلبه على العاطفة دون العقل مما أتاح الفرصة لاستخبارات النظام أن تخلق جماعات ظاهرها العداء للنظام وباطنها إحداث ثقوب في جسم الثورة حتى يسهل عليه إنهاؤها، وبالفعل نجحت خطته في تحويل بعض الجماعات العسكرية المصنوعة من قبله لأداة قوية يضرب بها من الداخل فاستطاع أن يحقق هدفين مرة واحدة الأول القضاء على معارضيه الذين يصعب عليه الاقتراب منهم والثاني إحداث شرخ كبير بين المجموعات العسكرية من خلال خلق الشكوك وعدم الثقة بولاءاتها وأهدافها.

لكن العمل الذي وفق به نظام الأسد وحصد ثماره داخلياً وخارجيا كان تسخير الدين لصالحه بطريقة سلبية معتمداً على مبدأين تتفق عليهما معظم الدول والجماعات التي تسيرها في الخفاء. الأول هو كره الإسلام والثاني التعاطف مع الأقليات فاستطاع بذلك أن يحصل على دعم مادي ومعنوي بحجة محاربة التنظيمات التي صنعها وحماية الأقليات من شرورها بالإضافة إلى ذلك وعن طريق رجال الدين القاصرين عقلياً والذين يعد أقلهم مرتبة عنصر أمن بزيّ ديني هؤلاء ساهموا بشكل كبير في إظهار الدين الإسلامي على أنه دين يقتصر على التكفير والقتل دون بيان أو حجة فزاد ذلك من الحقد الدفين للكارهين للإسلام كما انضمت لهذا التآمر المعلن فئات من الذين كانوا ينادون بوسطية وعدالة الإسلام ممن هم يرتدون غنائم النفاق فأصبح محرماً على كل مدافع عنه أن يذكره بخير.

لم يكتف نظام الاستبداد في سورية منذ الثمانينات وحتى اليوم بكم الأفواه ومصادرة جميع أنواع الحريات وحتى الدينية منها بل أصبحت التهمة الرائجة لكل معارض له الإنتماء لتيار ديني وبعد كل ذلك كيف لعقل بشري سليم أن يصدق أن نظاماً يتمتع بكل هذه الصفات العدائية أن يمنح بعض المزايا ولو كانت شكلية لوزارة أوقافه مع أنها أكثر مجال يخوض فيه رجال الأمن ويمارسون فيه غيريتهم وحرصهم على مزرعتهم، وليست كل تلك المعمعة والهجمة البربرية التي حصلت على الشاشات ومواقع التواصل بسبب تعديل قانون الأوقاف إلا أسلوباً واضحاً لخلق ردة فعل عنيفة تجاه أي نشاط ديني وإيهام الآخرين بأن هذه الوزارة ستبتلع الجميع بعد أن جعلهم يقتنعون طوال سنين الثورة أن هؤلاء المتدينين أشبه بالرمال المتحركة، ثم إن كان حقيقياً إعطاء بعض الصلاحيات لها فهذا يصب أولاً في مصلحة الغزو الشيعي ومنح تسهيلات لبناء الحسينيات ونشر فكرهم المسموم وممارسة طقوسهم برخصة قانونية وبذلك تصبح وزارة الأوقاف أداة للمشروع الإيراني وربما يكون من السهل عليهم اتخاذ بناء حسينية مكان كل مسجد جرى تدميره بعد أن نسبوا إلى المساجد تعليم الفكر الثوري والخروج على الحاكم.

و يبقى القول إن جميع الحركات الدينية التي كان هدفها الإصلاح لم تفشل إلا عندما شاركت في العمل السياسي كما هو حال حركة الإخوان المسلمين وغيرها عندما ظنوا أن إمتلاكهم لزمام الأمور في مصر هو بداية لنهوضهم والرضا العالمي عنهم إلا أنهم وجدوا أنفسهم في مصيدة دينية كفيلة بأن تقصم ظهورهم وتصور للعالم أن الدين الاسلامي لا يصلح للحكم ولا يهتم إلا بتوافه الأمور.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل