يبدو أنهم كانوا ينتظرون إشارة البدء للسباق إلى ذلك المستنقع الذي جمع كل قذارة العالم فيه ولم يعد صالحاً حتى لتعيش فيه التماسيح أو الأفاعي أو الضفادع، ولكنه ما يزال بيئة صالحة لبعض البشر إن صحت تسميتهم بذلك، فليس من طبيعة الإنسان أن يرى كل هذه الأهوال التي أصابت الشعب السوري دون أن يخرج عن صمته على أقل تقدير ويستنكر أو يندد، ولم يعد مطلوباً منهم التهديد والوعيد فقد ثبت أن هذا الأمر يحتاج إلى بعض الرجولة والتي يفتقدها بعض حكام العرب.
عندما انطلقت الثورات في العالم العربي كانت ردود الأفعال العالمية والعربية كلها تتجه إلى مقاطعة هؤلاء الذين أجبروا شعوبهم على الانتفاض ضدهم بعد عقود من القهر والذل والصمت والرضا بالفتات حتى أصبح حلم المواطن العربي أن يتكلم دون أن يخاف من أهل بيته، ومما شجع شعوب تونس وليبيا ومصر واليمن على تغيير حكامها هو أن حكامهم لم يجدوا من يقف معهم دولياً ربما لانتهاء صلاحيتهم أو للحاجة لمن هم أقدر منهم على بيع الأماني لشعوبهم وشراء الأوهام من أسيادهم.
لكن في سورية كانت حسابات الدول مختلفة فهذا البلد الذي يتوسط عدة دول غير مستقرة لم يكن بالإمكان المقامرة بتغيير أي شيء فيه لذلك كان من الضروري أن يكون كل شيء تقليدياً، فانقسم العالم إلى عدة أصناف، فالصنف الأول حافظ على علاقته الودية مع النظام السوري كما هي والثاني ارتدى سترته العسكرية وأعلن صراحة دعمه للنظام في قتله للشعب -الإرهابي- والثالث وضع قناع مؤقتاً ريثما يتضح له التوجه العالمي أما الصنف الرابع فوقف بكل وضوح مع قضية الشعب السوري وأعلن دعمه له فنال عداء العالم والعرب.
لم تكن المشكلة في الصنفين الأول والثاني عربياً كان أم غير عربي فهناك في التاريخ الكثير من التجارب التي أثبتت أن من العرب من هم أشد عداءً على إخوانهم، فهؤلاء لم يكتفوا بالصمت عن المجازر والتشريد بل قدموا أنفسهم كحماة لعرش هذا الحاكم سواء على الأرض السورية أو في المحافل الدولية و بالغوا كثيراً في إظهار ولائهم ليس لإرضاء النظام بل لإرضاء أسياده. أما الصنف الثالث فهو ذو الوجهين الذي يتنقل بين الجيوب تقوده مصالحه، فكم من دولة قطعت علاقاتها مع النظام وأظهرت العداء له عندما كانت أصوات الحق تعلو فوق صوت الباطل حتى أصبحت الدول التي تؤيد النظام تعد على أصابع اليد فبدأ البعض بإغلاق السفارات وطرد السفراء وقطع كل أشكال العلاقات مع نظام الأسد كما فعلت بعض الهيئات بحرمانه من حق التمثيل لديها فاستبشر السوريون خيراً وظنوا أن الخلاص قد اقترب.
إلا أن الشيء الأهم الذي لم يكن في حسابات شعب سورية هو أن السياسة لا دين لها وعدو اليوم قد يكون صديق الغد وعندما تحضر مصالح الدولة تكون كل الأمور دونها حتى لو كانت حياة ملايين الناس مهددة، وكأن بعض الدول كانت تنتظر إشارة أو تلميحاً أو تصريحاً حتى يخرج مافي جعبته من اشتياق لعودته إلى ذلك المستنقع ليتضح أن من عاش فيه وتمتع بقذارته مهما ابتعد عنه لابد أن يعود إليه أو يتلذذ بذكرياته كما هو حال من يقلع عن التدخين لكنه يظل مستعداً للعودة له في أية لحظة وما نراه من مواقف دولية ليس بغريب فكل دولة أو هيئة أو شخصية عاد النظام لحضنها كانت أشبه بمن عاش في ظل الثورة وعندما سنحت له الفرصة عاد لحضن قاتله فالرماديون قد يكونون صغاراً وقد يكونون كبارا.
عذراً التعليقات مغلقة