يتفاجأ الصيدلي وهو يمارس عمله بدخول عشرات الزبائن إليه طالبين شراء ظرف مضاد التهاب والمشهور في مجتمعنا السوري بـ”الحب الأسود والأحمر”، وتزداد المفاجأة عندما يطلب أحدهم فقط حبتين من هذا الدواء، وعندما يريد أن ينصحه الصيدلي بضرورة أخذ العلاج كاملاً، يقاطعه المريض “دكتور أنا حبتين تشفيني ولله الحمد.. وبعدها بتحسن وبصير عال العال”.
ترى هل حبتان من مضاد الالتهاب تكفيان للقضاء على الجرثومة؟ وما مدى صحة هذا الاعتقاد؟
أبرزت معظم الدراسات في أوروبا بأن حوالي 40% من الوصفات الطبية للمضادات الحيوية كانت غير مبررة علمياً.
لمحة عن المضادات الحيوية
المضادات الحيوية هي أدوية تستخدم لعلاج الالتهابات البكتيرية (الجرثومية) مثل التهاب الجهاز التنفسي والرئوي والبولي والتهاب الجلد والجروح، وقد أنقذت حياة الملايين منذ أن اكتشفها العالم البريطاني اكسندر فليمنج صدفة عام 1947 في أحد صحون زراعة البكتيريا مما نتج عنه نمو فطر نمواً طفيلياً، واستطاع ذلك الفطر أن يوقف نمو البكتيريا في الصحن، وتبين أن هذا الفطر، يفرز مادة تمنع نمو البكتيريا سميت فيما بعد بالبنسلين نسبة لاسم الفطر، ومنذ ذلك الوقت أنقذت المضادات الحيوية حياة الملايين، ولكن مع كثرة استخدامها، أصبح العديد منها غير فعالا في القضاء على أنواع كثيرة من البكتيريا.
أنواع المضادات الحيوية
المضادات الحيوية هي مواد كيميائية تقتل الخلايا الجرثومية ولا تؤثر على خلايا بناء الجسم وهي نوعان:
1. مضادات حيوية واسعة الطيف: تؤثر على طيف واسع من الجراثيم مثل الأموكسيسيللين amoxicillin والجينتامايسين Gentamicin.
2. مضادات حيوية ضيقة الطيف: تؤثر على عدد قليل من الجراثيم مثل البنسيلين pencillin.
كيف نختار المضاد الحيوي المناسب؟
يختاره الطبيب حسب نوع البكتيريا التي تسبب نوعاً معيناً من الالتهاب، وأحياناً يتطلب الأمر اجراء فحوصات مخبرية لمعرفة نوع البكتيريا وحساسية هذا النوع تجاه مضادات حيوية معينة.
آلية عمل المضادات الحيوية
تعمل المضادات الحيوية بعدة طرق:
1. تقوم بمنع تصنيع جدار خلايا بعض الجراثيم (كالبنسلين والسيفالوسبورينات) حيث تفرز أنزيمات تحلل الجدار الخليوي للجرثومة وبالتالي تؤدي إلى قتل الجرثومة.
2. عن طريق منع تصنيع بروتينات الجراثيم (كالاستربسومايسين والكلورامفينيكول) ويتركز عملها في إيقاف نمو الجرثومة.
3. مضادات تثبط انتاج الحمض النووي عند الجرثوم مثل الريفاميبسين.
4. مضادات تؤثر على غشاء الخلية الجرثومية.
مصادر المضادات الحيوية
الفطريات، الطحالب، أنواع مختلفة من البكتيريا (الجراثيم)، وهناك مضادات حيوية نصف مصنعة حيث يضاف إلى مزرعة الجراثيم مواد أولية يستعملها الجرثوم في تمثيله الغذائي ومن ثم يقوم بإنتاج مركبات جديدة تشكل مجموعة المضادات الحيوية المعروفة الآن.
ماذا يحصل إذا تم إيقاف المضاد الحيوي بشكل مفاجئ؟
تكتسب الجراثيم مقاومتها للمضادات الحيوية بصناعة أنزيم لديه القدرة على تدمير المضاد الحيوي مما يفقده فائدته كعقار، المشكلة في المضادات الحيوية هي أنها تفقد فعاليتها مع مرور الوقت فهي تقتل كل الجراثيم الضارة التي تستهدفها خلال أسبوع إلى 10 أيام وسوف يشعر المريض بتحسن سريع بعد مرور يومين أو ثلاثة من تناول المضاد الحيوي، وذلك لأن المضاد الحيوي يبدأ بقتل الجراثيم المستهدفة بشكل سريع جدا، ولكن بعض أنواع الجراثيم المتحولة تستطيع البقاء بالرغم من تناول المضاد الحيوي، فتتكاثر وتتحول إلى مرض ومن ثم تتحول إلى سلالة جرثومية جديدة، تسبب العدوى لأي شخص ولن يجدي معها كون الانسان تناول مضاداً حيوياً من قبل وهذه العملية تصبح مشكلة مع مرور الوقت مما تسبب بقلق شديد في الأوساط الطبية، ولفهم ذلك أكثر لابد من معرفة كيف تقوم الجراثيم بالمقاومة للمضاد الحيوي.
آلية مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية
1. عن طريق تغيير في غشاء الخلية الجرثومية مما يمنع دخول المضاد الحيوي داخلها.
2. عن طريق افراز أنزيمات لها القدرة على تثبيط عمل المضاد الحيوي، أو تحليله كيميائياً قبل أن يصل المضاد الحيوي إلى المكان الذي يعمل عليه.
3. يمكن للجرثوم أن يغير التركيب الكيميائي للأهداف داخل الخلية والتي يعمل عليها المضاد الحيوي مما ينتج عنه إبطال مفعول المضاد الحيوي.
ماهي الأسباب التي تؤدي إلى مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية؟
• عدم إكمال المريض للدواء، فبمجرد أن يتحسن خلال 72 ساعة، يترك الدواء مما يؤدي إلى انخفاض نسبة تركيز المضاد عند المريض ويكون سبباً مباشراً في تعرض الجرثوم لتركيز ضعيف عن المعتاد وبالتالي يعطي الجرثومة فرصة للمقاومة.
• استعمال المريض جرعات يومية أقل مما وصفها الطبيب مما يؤدي إلى حدوث المقاومة .
• الاستهلاك الزائد عن الحاجة لهذه المضادات.
• استخدام المضادات لدى بعض الحيوانات أو في المجال الزراعي.
ما هي الطرق المثلى لتجنب حدوث مثل هذه المقاومة؟
- استخدام كامل الكمية من المضاد الحيوي الذي وصف من قبل الطبيب المعالج حتى لو شعر المريض بتحسن كامل في حالته الصحية.
- اتباع ارشادات الصيدلي في طريقة تناول المضاد الحيوي من حيث الأوقات، والجرعات الموصوفة، والمدة المطلوبة لتكملة العلاج من قبل الطبيب المعالج.
- من الأخطاء الشائعة في مجتمعنا أن يقوم مريض بوصف مضاد حيوي لمريض آخر لمجرد التشابه في الأعراض المرضية، أو لأن استخدامه أدى إلى شفاء المريض الأول فيعمم تجربته على الأصدقاء والأقارب دون الرجوع إلى الطبيب.
- للأسف بعض الصيدليات لا تجد حرجا في بيع المضادات الحيوية للناس دون وصفة طبية.
- هناك بعض الالتهابات الفيروسية لا تستدعي استخدام مضاد حيوي، ولكن نجد قليل من الأطباء يرشدون المرضى لاستخدام المضاد الحيوي.
- لذا ننصح بعدم استخدام المضاد الحيوي إلا في حال تطور الالتهاب الفيروسي إلى التهاب جرثومي.
كيف ندرك حدوث مقاومة لدى المريض للمضاد الحيوي؟
نلاحظ عدم شفاء المريض من أي التهاب على الرغم من أخذ الجرعات الصحيحة من ذلك المضاد الحيوي المناسب لتلك الحالة.
ختاماً: الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية قد يسبب عدا عن المقاومة الجرثومية كثير من حالات الحساسية المفرطة والتي قد تؤدي إلى الوفاة، وبعضها قد يسبب الإسهال وآلاماً في المعدة، وقد تؤثر في نمو الأسنان وخاصة لدى الأطفال الذين تناولت أمهاتهم التتراسيكلينات خلال فترة الحمل، وغيرها قد يسبب تشوهات خلقية لدى الأجنة وليس أقلها فقدان السمع والنطق.
عذراً التعليقات مغلقة