ثلاثة أعوام مضت، والطيران الحربي الروسي وجيش روسيا يساند نظام الأسد، ضد الثورة السورية لكبح جماح الثوار المعارضين للأسد ونظامه بحجة التدخل لمحاربة ’’الإرهاب‘‘، إلا أن تدّخل موسكو لم يبقِ ولم يذر من المدنيين في عموم المناطق السورية التي كانت خارجة عن سيطرة النظام، مستهدفاً معظم مقومات الحياة في البلاد، ليخرج مسؤول روسي مؤخراً في ذكرى تدخلِهم الثالثة، ويعلن عن حصيلة الضحايا المدنيين واصفاً إياهم بـ’’الإرهابيين‘‘، الذين قضوا بآلة الإجرام الروسية والبالغ عددهم 100 ألف شهيد منذ بداية التدخل.
مراكز توثيق الانتهاكات وثقت الانتهاكات الروسية للقانون الدولي منذ بداية التدخل، وتضم قائمة هذه الانتهاكات ارتكاب مجازر بحق المدنيين، وتضم دائماً عدداً كبيراً من الأطفال، والعاملين في المجال الطبي إضافة إلى الإعلاميين، واستخدام أسلحة وذخائر محرمة دولياً كالقنابل الفوسفورية والعنقودية والنابالم، واستهدافاً ممنهج لمراكز طبية ومدارس وأسواق شعبية تغص بالمدنيين، بالإضافة إلى قوافل المساعدات الأممية.
الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد لم يقتصر على العسكري فحسب، منذ تدخلها العلني في سوريا تحت حجة مكافحة ’’الإرهاب‘‘، استغلت موسكو فشل التحالف الدولي في تحقيق نتائج ملموسة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ’’داعش‘‘، وبرَّرت تدخلها العسكري بحصولها على طلب رسمي من نظام الأسد للمساعدة في محاربة “الإرهاب”، وقرَّرت العمل بعيداً عن التحالف الذي تراه غير شرعي ولا يمكن أن ينجح في مهمته لأنه لا ينسق مع حكومة الأسد والتي تعتبرها ’’شرعية‘‘ على الأرض.
عملت روسيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية على تثبيت وجودها العسكري في سوريا، عبر إقامة قاعد جوية عسكرية لها في حميميم بريف اللاذقية، وتوسيع قاعدتها البحرية في طرطوس، فضلاً عن نشر آلاف الجنود الروس في الأراضي السورية، ورغم الإعلان مرتين عن سحب قواتها من سوريا في مارس/ آذار عام 2016 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2017، فإن روسيا لا تزال تحتفظ بإمكانات عسكرية كبيرة في سوريا عملت على تعزيزها في الآونة الأخيرة.
التفرد الروسي جاء نتيجة عدم إيجابية بالتعاطي بشكل جدي مع الملف السوري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى والغرب ثانياً، بالمقابل كان حلفاء النظام متماسكين خوفاً من سقوط الأسد، وكان الهدف من التدخل العسكري الروسي هو استعادة الأراضي التي خسرها نظام الأسد لصالح قوى المعارضة، وادعت روسيا بتدخلها المكثف في سوريا بأنها في “حرب ضد الإرهاب”.
استخدمت موسكو حق النقض ’’الفيتو‘‘، اثني عشر مرة في مجلس الأمن سياسياً لصالح الأسد، منعاً من إدانته أو محاسبته على كافة جرائمه من ضمنها عشرات الهجمات الكيمائية، ورغم اتهام دول بينها أمريكا وبريطانيا إضافة إلى المنظمات الإنسانية والحقوقية، لروسيا بقتل مدنيين سوريين عبر عملياتها الجوية المساندة لقوات الأسد، فضلاً عن تسبب تلك العمليات بتشريد مئات الآلاف، إلا أن ذلك لم يغير من إجرام الآلة الروسية بوجه كل من يعارض حكم الأسد ونظامه.
الأهداف السياسية الروسية كشفت أنها تسعى للمحافظة على النظام ورأسه، وإجبار المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لها على القبول بحل سياسي وفق رؤية وشروط نظام الأسد عبر فرض وقائع على الأرض، حيث استطاع الروس تغيير دفة اتجاه الأحداث منذ تدخلهم في سوريا، وإعادة بسط سيطرة النظام على مناطق عديدة، بعد أن كان يسيطر على 20% فقط من مساحة سوريا قبل التدخل الروسي، أصبح حالياً يسيطر تقريباً على أكثر من 50% من الأراضي السورية، وهذا لا يعود إلى قوة الروس بحد ذاتها، إنما كل ما يقومون به هو تفويض غربي بشكل غير مباشر لروسيا، بمعنى أن الغرب لا يريد إسقاط النظام في هذه المرحلة.
لم تكتفِ روسيا بدعم الأسد عسكرياً وتدمير أكثر من نصف سوريا، بل ذهبت إلى دعمه سياسياً لمرحلة ما بعد الحرب، حيث نجحت في الإلتفاف على مقررات مؤتمر جنيف 1، لتبدأ مسار أستانة 2017 مع تركيا وإيران، والذي نتج عنه اتفاقات “خفض التصعيد”، والتي كانت نتيجتها خسارة معظم مناطق المعارضة بدءاً من الغوطة الشرقية وانتهاءً بدرعا، إلا أن تركيا استطاعت مؤخراً استنقاذ آخر معقل جامع السوريين المعارضين لحكم الأسد للمعارضة من أنياب الروس، عبر اتفاق “سوتشي” الذي أنقذ إدلب من مصير أخواتها.
استطاعت موسكو تمرير مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني” مطلع العام 2018، لتخرج منه بقرار تشكيل لجنة لصياغة دستور سوري جديد، ولتقضي بذلك على سلال المبعوث الأممي ستافان دي مستورا الأربع التي توصلت إليها سلسلة مؤتمرات جنيف، وكان على رأسها الانتقال السياسي، إلا أن الأخير بدت محاولاته جاهدة لتشكيل اللجنة الدستورية بشكلٍ ملفت، بينما يرا الكثير من السوريين أن دي ميستورا يعيد للأسد شرعيته ويثبت حكمه بواسطة اللجنة.
لم تتوقف روسيا بعد تلك المخططات والمحاولات، إلا أنها تعد خططاً آخرى لأجل عودة اللاجئين بالتنسيق مع دول الجوار مثل الأردن ولبنان، حتى تُبيّن للمجتمع الدولي والعالم أنه تم القضاء على ’’الإرهاب‘‘ وأصبحت سوريا ’’آمنة‘‘، وهي تحت سيطرة سفاح العصر بشار الأسد، إضافة أيضاً إلى محاولاتها الحثيثة لكسب الدعم من الاتحاد الأوروبي وغيره، ’’كونها بلدٌ هش بلا أساس اقتصادي لا يفهم سوى بالأمور العسكرية فقط‘‘، من أجل إعادة إعمار المحافظات السورية، التي قامت بتدمير معظمها بواسطة طائراتها وأسلحتها، التي استخدمتها للترويج لها كطريفة لـ”إظهار أسلحتها لمبيعات التصدير”، فضلاً عن الطائرات الحربية الحديثة، وهذا ما أكده فلاديمير بوتين سابقاً، بأن المهمات التدريبية انتهت في سوريا.
وبعد ثلاثة أعوام من التدخل الروسي في سوريا، يتساءل السوريون عن حجم الثمن الذي دفعه بشار الأسد إلى روسيا مقابل كل ذلك، وخاصةً مع تثبيت أركان القواعد والأساطيل الروسية الدائمة على الساحل السوري، وانزياح الستار تدريجياً عن الاستحواذ الروسي على كافة أسس وأركان حكومة الأسد، ومفاصل ما يطلق عليه إعادة الإعمار وما إلى ذلك.
Sorry Comments are closed