صناعة الخوف والتخويف لخدمة الأنظمة الاستبدادية

جمعة الحمود30 سبتمبر 2018آخر تحديث :
صناعة الخوف والتخويف لخدمة الأنظمة الاستبدادية

الخوف هو شعور غريزي طبيعي عند البشر، ينجم عن الخطر أو التهديد المتوقع من شيء ما، كالخوف من الأذى النفسي والجسدي والموت والبطالة والمرض وفقدان الأمن الاجتماعي والغذائي، وعادة ما يكون هذا الشعور الانساني الذي خلقه الله تعالى حافزاً على الانضباط والإبداع، وخلق عقد اجتماعي بين السلطة والمجتمع من أجل القضاء على الخوف من المجهول والإحساس بالأمان، فالشعوب والمجتمعات الخائفة لا يمكن أن تنتج حضارة.

الخوف وإشاعته من قِبل النخبة الديكتاتورية الحاكمة لا يزال أحد أهم أدوات السيطرة، من خلال آلة القمع والعنف الرمزي والمادي للدولة والنظام التسلطي أو الشمولي في مواجهة الانتفاضات الجماهيرية “الثورية” في المنطقة العربية.

نشر جماعات العنف والإرهاب واستخدام آلة القتل بحق الشعوب والمجتمعات الثائرة داخل بلدان الثورات واستخدامها لأيديولوجيات التوحش وأنماطه بالغة القسوة، لإشاعة الذعر والخوف وأقسى مستويات الألم الفردي والجماعي من خلال إطلاق أفعال السرقة والخطف والإيذاء والقتل البربري بحق العامة من المجتمع، مما ينتج الطاعة العمياء للسلطة السياسية الحاكمة والقيم الاجتماعية والدينية السائدة -حتى لو كانت خاطئة- بسبب ترسيخ ثقافة الخوف والتخويف، من خلال تعميم المخاوف الحقيقية أو الوهمية بين الناس، وتضخيمها -عبر وسائل الاعلام التي تسيطر عليها السلطة الاستبدادية- إلى الحد الذي لا يرون فيه من يحميهم منها غير السلطة ذاتها، الأمر الذي يجعلهم فرائس سهلة للحكومات التي تمتهن صناعة الخوف واستغلاله في تثبيت أركان سلطتها، ليبقى المجتمع يعيش تحت وطأة الخوف بكل أشكاله؛ خوف من الموت أو الحرب، أو عدم الاستقرار والفوضى.

نظرية الخوف والتخويف، المترافقة مع استخدام عمليات القتل والتهجير والتدمير والاعتقال والسجن، هي أحد أهم الأساليب التي استخدمها نظام بشار الأسد لقمع ثورة الشعب السوري، متعاقداً مع أكبر مراكز صناعة القرار ومافيات القتل في العالم لتعينه على البقاء، وفق سياسة مدروسة وممنهجة.

يقول الكثيرون أثناء القصف، ليأخذوا منا ما يطلبون، فقط أوقفوا الصواريخ والبراميل التي تهدم بيوتنا وتدفننا تحت أنقاضها. هذه النزعة -صناعة الخوف وفقدان الأمن، وخلق عدو مشترك- للسلطة والمجتمع عبر وسائل الإعلام، استغلها واستفاد منها النظام السوري بشكل كبير على أرض الواقع ووظفها في خدمة استبداده وحربه ضد الشعب السوري، حيث عمل النظام منذ اليوم الأول على استخدام كل الوسائل الاعلامية والاقتصادية والعسكرية لزرع الخوف في حياة المجتمع السوري الذي ثار عليه، حتى أصبح الخوف هو المحرك الأساسي للفرد والمجتمع -حيث بدأ المرء يتصور نفسه مجرماً دون أن يرتكب جريمة، وعليه تبرئة نفسه بشتى أنواع الطرق والأساليب-  لأن موقف المجتمع من السلطة يعتمد على ما يراه الانسان منها.

سياسة استخدام عامل الخوف وتحويله الى أداة تخويف جماعي بيد النظام السياسي تتجلى في عدة مستويات: المستوى الأول لتبرئة الدولة من افتعال عملية التخويف، وهو القيام بإبراز عدو مشترك بينها وبين المواطنين لضمان التفافهم حول السلطة، مع التستر على المخاوف والأسباب الحقيقية التي هي من صلب مسؤولياتها، بهدف تأمين التماسك أو الشرعية للسلطة الحاكمة، المستوى الثاني: الانتقال من نشر الخوف الفردي إلى الخوف الجماعي، حتى تصبح كل المؤسسات -خاصة المؤسسة العسكرية والاعلامية- في الدولة أداة في أيدي السلطة، تحركها كما تشاء لخدمة أهدافها المرسومة، أما المستوى الثالث وهو الأهم والأخطر على كل مجتمع يُمارس عليه الاستبداد والاضطهاد، هو تحويل الخوف الاجتماعي إلى خوف أمني، ولعلَّ هذا التحويل هو أقوى ما يعبّر عن قدرة السلطة على التلاعب بغريزة الخوف واستثمار ذلك لصالحها، من خلال خلق عنف أقوى يهدد بقاء الفرد والمجتمع، كي يتراجع عن مطالبه التي قام من أجلها، وهنا تقوم السلطة بطرح مقايضة الأمن الاجتماعي بقبول سلطة الاستبداد ، هذه الاستراتيجية منذ القِدم، وما زالت تستخدم حتى الآن من النظم الديكتاتورية لإخضاع الشعوب لقراراتهم القمعية فالناس لديهم استعداد للتضحية بقدر كبير من حرياتهم ومطالبهم اذا شعروا أن حياتهم في خطر حقيقي ومحدق.

الفترات التي يسودها القلق الاجتماعي، تزداد فيها النزعة العامة إلى الخضوع للسلطة وتقبّل الاجراءات التي تُضيّق عليهم، كما يزداد عدد الأشخاص الجاهزين للتخلي عن حرياتهم مقابل الشعور بالأمن والاستقرار الذي توفره السلطة الحاكمة، فكما أن الخوف يوّلد الانفجار، كذلك يشجّع على النفاق والرياء لدفع الأذى المتوقع.

من هنا ندرك أن العقل البشري قادر ومستعد لقبول الكثير مما لايمكن تصديقه، عندما يكون هناك خطر يهدد وجوده وحياته، فكل ما هو مطلوب فقط تكرار الخبر -سواء كان كاذباً أم صحيحاً- مع العيش في بيئة ملائمة من حيث القسوة أو اللين، تُحوّل القدرة على التفكير إلى إنكار للواقع فيقبل ما يفرض عليه وذلك إما تهرباً من قسوة ذلك الواقع -الذي يهدد وجوده- إلى عالم آخر موازٍ، يكون فيه قبول ما يجري أقل وطأة وتأثيراً على النفس أو حفاظاً على مكتسبات واقع فيه شيء من العيش الآمن والمقبول ميثاقه وبعض المغريات التي تبعد عنه الخطر مقابل تخليه عن بعض حقوقه.

يترك الخوف آثاراً واضطرابات نفسية تختلف باختلاف شدة الخوف الذي تعرض له الفرد أو المجتمع ككل، وغالباً ما تظهر نتائج الخوف بعد فترة من الزمن (آثار مابعد الصدمة)،  فذاكرة الخوف  -خاصة أثناء التعرض للقصف- تبقى مليئة بالآثار السلبية التي يخلفها الرعب على النفس البشرية، ويعتبر الأطفال الضحية الأكبر للخوف وتجلى ذلك بالآثار السلبية الكثيرة التي بدأت تظهر عليهم  بسبب الرعب والخوف من الحرب التي تعرض فيها السوريين للقصف والقتل والتدمير بكل أنواع الأسلحة وآلة الحرب العسكرية.

ومن غير مبالغة فإن كل المجتمعات التي تتعرض أو تعرضت لرهبة الخوف والفزع بسبب الحروب والمجاعة، هي مجتمعات مريضة بسبب كثرة الاضطرابات النفسية والأمراض بين أفرادها، تستوجب العلاج الذي قد يمتد لسنوات طويلة كي يتم التخلص من آثارها، وإن كان ذلك قد حصل بدرجات مختلفة بين أفراد تلك المجتمعات، التي يعتبر مجتمعنا السوري أحدها بكل أسف.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل