هكذا تنتهي العسكرة… أين الحلّ السّياسيّ؟

عمر الشيخ29 سبتمبر 2018آخر تحديث :
هكذا تنتهي العسكرة… أين الحلّ السّياسيّ؟

أصدرت مؤخراً محاكم التّفتيش التّابعة “لهيئة تحرير الشّام” في إدلب، حُكماً بالسجن لمدّة أربعة أشهر لأحد طلاب جامعة “إيبلا” الخاصّة في إدلب، وكانت التّهمة المزعومة هي “تشغيل أغان خلال احتفال بالجامعة في حزيران الماضي” تبعه قيام عناصر “جهاز الحسبة” لدى “تحرير الشّام” باقتحام الجامعة بتهمة “انتشار الموسيقى والاختلاط بين الذكور والإناث” ومن ثم إغلاق الجامعة!

أجل هذه هي الأحكام الّتي تقودها تلك “الهيئة” القادمة من فكر القاعدة ويديرها التطرّف والتّكفير بمعزل عن الحقوق والحريّات، يدفعون بعناصرهم وأسلحتهم لرفع أعلام التنظيم المصنّف إرهابياً من أجل إظهار الحاضنة الشعبيّة لهم في مظاهرات إدلب الأخيرة، لكن الردَّ كان بعبارة لأحد المتظاهرين تقول “أيها المسلّح أنت بحماية المدنيّين!”.

لقد أدرك النّاس أن العسكرة لن تجدي نفعاً بعد أن باعت توجّهها وقادتها لدول إقليميّة واستخبارات محليّة ودوليّة، لكن رغم ذلك نحن أمام رهان خطير في التّخلص من العسكرة بشكل تام على اختلاف ولاءاتها، ذلك أن كلّ التجارب السّابقة أثبتت فشلها وضعفها بسبب كوارث “بيع الذمم” والاختراق القادم من التّربية البعثيّة لعقود وعقود ضمن معظم البيوت السّورية!

ترسم روسيا وتركيا حدود مناطق نزع السّلاح، بين آخر مواقع المعارضة السّورية شمالاً وبين مواقع سيطرة قوات النّظام، لا يوجد أي مكون سوري له دعوة بالإقرار، فالدول اختارت ما يتماشى مع مصالحها بمعزل عن زيف ادعاءات الإنسانية والسلام الأهلي، لأنّ الطيران الروسي لم يترك قرية معارضة إلا واستهدفها إلى جانب قذائف وصواريخ جيش النظام، ومفخخات الجهاديين اعتبرت أن زمن “الغزوات” قد عاد مع المال السّياسي المتحكم بعقولهم، ليكونوا أدوات تحريضيّة ضد الثّورة السّورية، وما يحدث في إدلب اليوم من اعتقالات “النّصرة” للناشطين والمعارضين لسياساتها خير دليل على شبهة هذا التّكتّل العسكريّ الّذي تدعي تركيا أنّها تنتظره ليوافق على اتفاق سوتشي بشأن إدلب! بينما تتحين روسيا الفرصة لأي استفزاز كي تردّ وتخرق الهدنة، كما عشرات الاتفاقيات المماثلة التي اخُتُرقت.

وأين الثّورة من كل ذلك؟

إنّها في إصرار مئات الآلاف على السلميّة للرمق الأخير.

نشاهد كيف تدفع “النّصرة” عناصرها نحو التجمعات المدنيّة لترفع أعلامها وشعارات القاعدة، بينما تفخخ بعض السّاحات كما في كفرنبل وإدلب منذ أيام، حتى تبرّر انتشارها الأمنيّ لقمع المظاهرات ضد وجودها ووجود الأجانب من أتباع “الجهاد التكفيري”، وأمام كلّ ذلك نستطيع أنّ نفكر، ما الثمن الّذي تريده تركيا من زرع آلاف الجنود في “مناطق نزع السلاح” شمال سورية من جرابلس إلى ريف إدلب الجنوبي؟

وكذلك الأمر، ماذا سوف تفعل روسيا بعد هذا كله بقاعدتها العسكرية على الساحل السوري ومئات النقاط الأمنية والغرف السرية في الداخل السوري،؟

وأين الولايات المتحدة ومشاريع تقسيمها الاستعمارية من ذلك؟

إنّ الحلّ السّياسي الّذي تتناقش عليه الدّول المتلاعبة بمصير سورية، مرهون بالشكل العسكريّ الأمنيّ للمناطق النهائيّة الّتي قسّمت البلاد إلى “شماعة داعش” المؤمنة عبر نقليات روسيا داخل مناطق سيطرة النظام، و”قوميّة الأكراد” المتنامية على مصيدة أمريكا للشمال “الذاتي” و”مراهقة النصرة وفتيان القاعدة” إلى جانب “فصائل المعارضة” ذات الوصاية التركيّة!

هذه هي خلاصة الحلّ السّياسيّ، عندما تجلس الدول إلى طاولة واحدة لتنهي كلّ ما هو سوري من تلك الكيانات والفصائل والشماعات، يمكن للنهاية أن ترسم بشكل أو بآخر، إلاّ أنّها ليس النهاية الّتي سوف تُرضي أهل الثّورة المهجّرين بمئات الآلاف والذين يحاصرهم العالم في المنافي خارج سورية وداخلها وإدلب وما حولها من الأرياف المخنوقة.

الّذين لا تمثلهم عمامات الفتاوي المتطرّفة، وأدبيات الإسلام السّياسيّ الانتهازيّة، الّذين يبحثون عن المدنيّة ودولة القانون والحريات الاعتقاديّة والسياسيّة، هل كنّا نحلم فقط؟ هل أخرجتنا ردّات الفعل الجهنميّة للعالم على ثورتنا لنقف خلف مورثنا الفكري الرجعي، وهو “حارة كلّ مين إيدو إله” كما يريدها الرجل الّذي وقع مع العدو صكوك ضماناته في سدّة الحكم وأصبح بطلاً على جماجم الأحرار بينما الحلّ السياسي يرزح تحت حربة جيوش تلك الدول ووكلائها من السوريين!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل