العداء بين أمريكا وإيران.. حقيقة أمْ خديعة؟

جمعة الحمود27 سبتمبر 2018آخر تحديث :
العداء بين أمريكا وإيران.. حقيقة أمْ خديعة؟

أربعة عقود مرت على بدء التهديد والوعيد المتبادل عبر الاعلام بين واشنطن واسرائيل والغرب من جهة، وطهران من جهة ثانية، منذ 40 عاماً، الولايات المتحدة الأمريكية تهدد دولة إيران التي لا تخفي طائفيتها وسلوكها الارهابي في منطقة الشرق الأوسط عامة ودول الجوار بشكل خاص، ولكنها لم تقتل وتدمر إلا المسلمين السنّة وتدمر بلدانهم، ومنذ ذلك الحين، لا تكف إيران عن تهديد أمريكا وإسرائيل، لكنها أيضاً لم تقتل يهودياً أو أمريكياً واحداً، بل قتلت وهجرت ملايين العرب والمسلمين ودمرّت بلدانهم.

إسرائيل غضّت الطرف عن بروز الحلف الطائفي الممتد من طهران حتى بوابة “فاطمة” جنوب لبنان ، ولم يخف رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شارون ، أن إسلاماً شيعياً هو أكثر أمناً لإسرائيل واليهود، ولذلك تمت الموافقة على إنشاء ميليشيا حزب الله، وإطلاق يد إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان، بعد قيام أمريكا والحلف الغربي بإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين -حيث كان يمثل سداً منيعاً في وجه النظام الصفوي في طهران- وبذلك تم فتح البوابة الشرقية للوطن العربي على مصراعيها أمام النظام الإيراني، الذي نجح في مهمة تدمير العراق، سوريا، اليمن، ولبنان. ومن هنا يتضح أن طهران هي الركيزة الأكثر أهمية لسياسات أمريكا والغرب حتى مقارنة مع إسرائيل، ولكن على الرغم من النفوذ الإيراني الواسع الذي حققه نظام الملالي، الا أن مردود هذا النفوذ معدوم تماماً بالنسبة لإيران -باستثناء نشر المذهب الشيعي وتنفيس حقدها الطائفي الدفين- بل إنه يستهلك ميزانية دولة تعد من أهم الدول النفطية.

إن أي تراجع للدور الايراني، يعني تراجع الموارد الخيالية التي يجنيها الغرب من سباق التسلّح والحروب في المنطقة، ويحرم إسرائيل من الأمن والأمان الذي تعيشه بفضل خدمات النظام الإيراني المجانية. فعلى الرغم من “البروباغندا” الميليشياوية جنوب لبنان وفلسطين فإن مجمل الصراع الذي أنفق عليه من قِبل ايران، لم يكن صراعاً لصالح إسرائيل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً فحسب، بل باتت تحقق اليوم مصالح ثقافية، كانت شبه مستحيلة نظرياً حتى بعد مئات السنين، لذلك نجد أن الضربات الأمريكية والاسرائيلية تطال الأذرع الايرانية البعيدة عن المركز، وهي ليست عاجزة عن ضرب طهران عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فالمواقف الأمريكية والاسرائيلية المعلنة تجاه إيران تشكل فرصة لها لتقوم بذلك، لكنها حتى الآن تكتفي بما يؤدب، ولا ينهي.

كما أن تصريحات روسيا (حليف إيران) ليس القصد منها إقصاء ايران من حروب المنطقة، إنما إعادة وضعها في السياق الذي يجب أن تكون فيه، دور برعاية روسية تتحكم فيه وتسيطر عليه موسكو، لذلك فإن الموقف الدولي -متناقض المصالح- يتقاطع في جزئية “جعل الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة بدون مخالب” لكن لا يحرمها من بعض جوائز الترضية بعد نجاحها في المهمة الموكلة إليها.

حتى تكون أي قراءة أو استنتاج لمآلات النظام الإيراني واقعية، لا بد أن تستند الى المكاسب الكثيرة التي تجنيها دول الهيمنة من وجوده، مكاسب لا يمكن أن تأتي بما هو مخطط لها (من حيث الضخامة والسهولة) من دون الإبقاء على البعبع الايراني “فزاعة” في المنطقة من أجل استغلالها.

لجم إيران بشكل نهائي، سيورط الدول الكبرى في المنطقة بشكل كبير ومباشر، بينما وفرت عليها مشقة ذلك إيران، فالأخيرة تضحي بشعبها ومواردها في حروب مدمرة ومزمنة، والغرب يقطف ثمار هذه التضحية.

الأهم من ذلك أن مشروع إيران ليس مشروعاً مستقلاً وخاصاً بها، إنما هو جزء رئيسي من مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي تبشر به الولايات المتحدة الأميريكية منذ عقود، فنظام الملالي هو اليد القذرة وجهة التمويل في آن واحد، لذلك يجب ألا نتوهم كثيراً، بأن الغرب سيجهض مشروع النظام الإيراني قبل إنجاز كل الأهداف التي يسعى لتحقيقها، مع الأخذ بعين الاعتبار، صعوبة تأمين البديل الذي يحل مكان ” طهران ” خاصة مع الإنجازات الهائلة التي حققتها في تفتيت المنطقة وتدميرها، لإعادة تشكيلها من جديد، واستغلالها بشكل أكبر.

ما يجب الاستعداد له بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، ومن ثم سياق تعديله أو إنهائه، أن هناك ثمناً أكبر وخدمات أوسع مطلوبة من طهران عليها أن تقوم بها، وهذا يتطلب أن يزداد نفوذها وقدرتها على العبث بمصير دول وشعوب المنطقة، وهذا مطلب أمريكي وغربي واسرائيلي من أجل تهيئة الظروف لإتمام اتفاق ما يسمى “صفقة القرن” التي يراد من ورائها، الاعتراف باسرائيل من قِبل جيرانها العرب والتطبيع معها.

يجري هذا بينما الجبهة التي بإمكانها لجم سياسات القوى الكبرى من خلال التصدي للدور الايراني -الذي يخدم تلك القوى- منشغلة بصراعاتها الداخلية والعداوة فيما بينها، والبحث عن محاور وتحالفات تجعل كل منها يخضع لاملاءات وسياسات الدول الكبرى بلا حدود، فالخلاف الممتد بين أنقرة والقاهرة مروراً بالرياض والدوحة وأبو ظبي، وصولاً للمغرب العربي، يمنح إيران المزيد من فرص الهيمنة على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، بل يفتح الباب أمامها باتجاه عواصم عرببة أخرى.

مايشغل بال أمريكا، ليس إسقاط النظام والحلف الطائفي الممتد من طهران حتى جنوب لبنان، ولكن إعادة ترتيب أوراق المنطقة التي كلفت أمريكا دماءً وأموالاً منذ غزو العراق حتى اليوم.

واشنطن وتل أبيب على مسافة قريبة من قطف ثمار التوحش الايراني الروسي في سوريا، وكلاهما يخشى على مستقبله في سوريا، فالمهمة اقتربت من نهايتها وتم تدمير سوريا.

خطوة الى الخلف قد تقدم عليها طهران من خلال تعزيز مواقعها في العراق تحسباً لأي انسحاب قسري من سوريا، خاصة وأن حليفها الروسي قَبل بفكرة “إخراج ايران مقابل بقاء الأسد في السلطة” حيث قالت واشنطن إنها لن تجبره على ترك السلطة، ولكن سيرحل من تلقاء نفسه.

التناقضات الحقيقية بين القوى الفاعلة ستؤدي للسير في اتجاه الصفقات لتجنب أي مواجهة مباشرة بين الأطراف الدولية على الأرض السورية فلقد شكلت الثورة السورية مناسبة وفرصة حقيقية لفهم طبيعة الصراع في المنطقة، وعن التحالفات التي كنّا نخالها -صراعات قبل الثورة- ومنها التحالف العضوي بين أمريكا وايران، وهو بالطبع تحالف مع إسرائيل “تحالف لم يبنى على المصالح فقط” فربما تختلف المصالح في بعض الأحيان، ولكته بني على بعد تاريخي يحدد طبيعة العدو المشترك لهما.
إغفال البعد العقدي والتاريخي في الصراع الحالي، جعل الصراع السياسي طاغياً ومسيطراً على المشهد، صراع استخدم الإعلام -وهو السلاح الأخطر في التأثير على العقول وقلب الحقائق- وسيلة في توجيه الرأي العام حول صراع مفترض لا أساس له من الصحة.
مشكلتنا الكبرى الآن، عدم فهم الرابط العقدي التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية، مما أفسح المجال لأغلب المحللين أن يذهبوا بعيداً مع صراع المصالح واختلاف السياسات، وهي أمور ممكنة الوقوع بين أقرب الحلفاء، وليست ثوابت على الإطلاق. ويكفي أن نتذكر ارتباط الصفوية والمسيحية، حين تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الاسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي إبان الدولة الأموية، والحكم العثماني، حيث شكلت خطراً جدياً على أوروبا، فكان لا بد من توفير غطاء شرعي لهذا التضامن السياسي، فعمدوا الى تقريب التشيع من المسيحية، وهذا ما يفسر السكوت الغربي والأمريكي عن كل جرائم الميليشيات الصفوية الشيعية الطائفية الخبيثة التي تعيث فساداً وقتلاً وتدميراً في البلاد العربية، بينما لاتقبل بأي حركة تحرر عربية وتسارع لمحاربتها بحجة الارهاب.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل