من المبكر جداً الحديث عن الاتفاق التركي الروسي بما يخص الوضع في الشمال عموماً وإدلب خصوصاً والحكم عليه بشكل قاطع من حيث مدى المنفعة أو على الأقل دفع الضرر الذي كان ينتظر المنطقة وأهلها في ظل توازنات اقليمية ودولية وتفاهمات بين الأطراف الفاعلة، والتي ليس من بينها أي طرف من السوريين وعلى الضفتين المتصارعتين منذ ثمان خلت.
لا شك أننا بحاجة لمعرفة الحيثيات والتفسيرات والدوافع التي قادت إلى اتفاق كهذا، في ظل تجارب كثيرة سابقة كان فيها السوريون آخر من يعلم عن أي تفاهم أو اتفاق يخص بلدهم تجريه الأطراف المؤثرة لدوافعها ومصالحها ولا يمثل السوريين فيه أكثر من أدوات تنفيذية بحتة تفعل ما تؤمر ولا تعصي لأوليائها الكثر عهدا ولا ذمة.
كثيرة هي التفسيرات والرؤى لهذا الاتفاق، وكثيرة هي التحليلات لمعانيه ومدلولاته من الأطراف السورية موالية ومعارضة، وذلك من واقع أنهم لا يعلمون على وجه اليقين بهذا الاتفاق أكثر مما أعرفه أنا وأنت وكل معرفتهم به هي فقط مما باح به الرئيسان التركي والروسي من خلال مؤتمر صحفي عام، كون لا أحد يعتقد أنه إن كان قوياً ونافذاً ومؤثراً يستطيع أي أحد خاصة أولئك الذين سلموا أعناقهم ومصالح بلادهم له أن يضطر الى اطلاعهم على عمق مصالحه ورؤاه الاستراتيجية ونظرته لمستقبل الصراع وترتيبات المصالح النهائية فيه.
إن مسافة الخمسة عشر كيلو متر التي اتفق الطرفان على نزع سلاحها الثقيل وتعهد كل طرف بكبح جماح أدواته المرتبطة به، تبدو عادلة بشروط أولها أن تقسم المسافة مناصفة بين مناطق كلاً الطرفين المتحاربين، وأن يعتبر سلاح الجو سلاحاً ثقيلاً لا يجوز أن يجتاز وتحت أي ظرف المنطقة العازلة لعمق مناطق المعارضة، والتي لا تملك هذا السلاح ولا ترياقه الذي يبطل مفعوله وأن تكون القوى والوسائط المسموح بها ضمن المنطقة العازلة متكافئة بين طرفي الصراع وبضمانة الدول الراعية لكل طرف، وأن تلتزم الدول التي وقعت الاتفاق وفرضته على أدواتها على الجانبين وبضمانة دولية بعدم إجراء أي أعمال مهما كان نوعها ضمن المنطقة العازلة وتضر بأي من الأطراف الموقعة، ثم لابد من إعلان هذا الاتفاق نهائي وغير قابل للتعديل، أو تحديد وقت محدد لنهايته.
لست من المطبلين لهذا الاتفاق، ولا تعتريني الغبطة والسرور لقراراته وترتيباته، كما أنني لست من الرافضين له تماماً من واقع أنه ربما لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وربما لو أرادت الأطراف المعارضة ترتيب أوراقها وأدواتها العسكرية والسياسية في فترة دخول المنطقة العازلة حيز التنفيذ لتمكنت إن امتلكت الصدق والارادة من تنظيم وضعها وبناء قدراتها بشكل أنفع وأفضل.
كما أن رفض الفكرة والإبداع في النقد والتحليل وتفنيد الاتفاق وطموحات الدول الموقعة في السيطرة والنفوذ على مناطقنا لا يجدي نفعا الآن من واقع أننا رهنا أنفسنا ومستقبل بلادنا ومنذ وقت طويل للغريب ومصالحه ووضعنا كل بيضنا في سلة واحدة، ولم يعد ممكناً ولا متاحاً أقله الآن الخروج من هذه الدائرة قبل الحصول على وقت مستقطع يتيح لنا اعادة النظر بمجمل السياسات العسكرية والسياسية لمحاولة إيجاد منافذ مشرفة تقود إلى تحقيق الحد الأدنى من طموحاتنا التي أريقت دماءها على مذابح العمالة أو السذاجة.
عذراً التعليقات مغلقة