التعبير عن الرأي من حقوق الفرد المنصوص عليها في مواثيق حقوق الإنسان والتظاهر هو أحد أشكال التعبير عن الرأي بشكل جماعي كما أنه أحد أشكال المشاركة في الحياة السياسية وهو حق لم يولد مع الشخص لكن وجد بموجب القوانين والأنظمة وهو فعل يتطلب التنظيم.
ومع انطلاقة الربيع العربي كان التظاهر هو الوسيلة الأولى التي استخدمتها شعوب تونس ومصر وليبيا ومن ثم سورية للضغط على الحكومات إلا أن منح حق التظاهر والرد عليه تفاوت حسب سياسة كل دولة وتركيبتها، فاستطاعت شعوب تونس ومصر أن تحقق مطالبها بأقل الخسائر وبزمن قصير بينما كان حظ الشعب السوري أن يقع تحت حكم يعتبر حقوق الإنسان من الكماليات المحرمة فقابل الكلمة بالحديد والنار لأن تشكيلته البنيوية لا تقبل الاعتراض أو النقد ويعتبر ذلك خيانة عظمى.
إن الذي ساق الشعب السوري إلى سلوك طريق التظاهر للحصول على حقوقه ليس حب التظاهر بل ليقينه بأنه لا توجد طريقة أخرى لتغيير الحال الذي وصل إليه من فساد في كل شيء يمس حياته حتى أصبح الفساد قاعدة والصلاح استثناء بالرغم من الشعارات التي كان رأس النظام يأكل بها عقول الناس من شفافية ومحاسبة إلا أن السمة العامة لمؤسسات الدولة كانت سيطرة فئات قليلة على مقدراتها دون أن يكون لباقي الأفراد الحق في التفكير بتقاسم الحقوق، كل ذلك وخلال أربعين عاماً من الحكم الموروث كانت جعبته قد امتلأت بكل أنواع الشرور والآثام بحق شعبه الذي وجد في الربيع العربي فرصة لن تتكرر لاستعادة حقه المسلوب.
إن من يعرف نظام الأسد يدرك تماماً مدى الشجاعة التي وصل إليها شعب سورية حتى قرر مواجهة أعتى نظام متجذر ومتأصل في الإجرام منذ وصوله إلى سدة الحكم وكم كان القرار صعباً عندما بدأت الصرخات تأتي من كل مكان ثم ما لبثت القليل من الحناجر المتناثرة والغير منظمة أن تحولت إلى سيل عارم راح يهدر مقتلعاً كل حواجز الخوف أمامه حتى دب الرعب في أوصال هذا النظام البائد ليكشف حقيقة جبروته المزيفة والتي لم تصمد أمام جماهير مسلحة بحناجرها فبدأ صوت الحق يزداد عمودياً وأفقياً ليدرك الرائي أن ذلك سيقتلع تلك الجذور المريضة.
ومع إدراك النظام بعدم قدرته على مواجهة هذه الصدور العارية كان لابد له من تفعيل عقله الشيطاني وذلك بجر هؤلاء الناس إلى نقطة المواجهة المسلحة فما كان منه إلا أن كشر عن أنيابه وجهز كل سلاح يمكن استخدامه فانهال ضرباً باليمين والشمال واقتلاع الحناجر وبتر الأصابع حتى أزال كل مظهر لسلمية الثورة ثم قلب الحقائق لتظهر الأبواق في الداخل والكثير منها في الخارج، وبعد سبع سنين وبعد أن لحق بالثورة ما لحق من وهن ومرض فقلت الانتصارات وكثرت التضحيات من إعدامات واعتقالات حتى استيأس الكثير وظنوا أن اختفاء الشعلة دليل على انطفاء النار ثم ما لبثت أن توقدت من جديد ليدرك اليائسون أن جذوتها مازالت تحت الرماد فصاحت الحناجر من جديد وأشعلتها حرباً أشبه بالعالمية رغم جغرافية المكان الصغيرة ولكنها ومع كثرة الحشود المتظاهرة برهنت للعالم أن الثورة لا تموت فأعادت للناس شغفهم القديم بكتابة الشعارات ومتعة التجمهر دون خوف ورشق هذا النظام والعالم من ورائه وحثالة من أتباعه كانوا يتسلقون ويتطفلون فأنزلقوا إلى القاع رشقهم بسهام الحقيقة التي لطالما عموا وصموا عنها.
قد يقول قائل ما الفائدة من هذه التظاهرات بعد أن حصل النظام على ما يريد وجمع الناس في بقعة صغيرة؟ فتكون الإجابة أن الفائدة هي أن هناك خلف القضبان أناس لا حول لهم ولا قوة وهناك خلف الشطآن أناس يرقبون العودة وهناك تحت التراب أجساد لم يسمح لها القدر أن ترى النصر، فمن ينسى كل هؤلاء يهن عليه كل شيء.
Sorry Comments are closed