إدلب والربيع العربي

زكي الدروبي21 سبتمبر 2018آخر تحديث :
إدلب والربيع العربي

فوجئ العالم بتعالي صيحات المتظاهرين في إدلب تنادي بالحرية مرة أخرى بعد أن اعتقد الجميع أنهم استطاعوا إخماد صوت الثورة السورية خلال السنوات الماضية عبر قمع ومجازر دموية لم يشهد لها التاريخ مثالاً.

استقر النظام العربي منذ سبعينات القرن الماضي على معادلة مفادها السماح للدول الخارجية بنهب ثروات البلاد وفتح أسواقها أمام منتجات تلك الدول مقابل السماح للحكام المستبدين القتلة بالاستقرار بالحكم ونهب شعوبها، وهذا ما شهدناه من استقرار أسرة القذافي وبن علي ومبارك والأسد و… في الحكم لسنوات طويلة، وكان المقابل لهذا الفعل تحول الاقتصاد من اقتصاد منتج إلى اقتصاد طفيلي يعتمد على السلطة لتحقيق الأرباح، ففي سوريا لم يبنِ نظام حافظ الأسد أي مصنع، وكل المشاريع التي نفذت عبارة عن اتفاقات تم توقيع عقودها والاتفاق عليها قبل مجيئه للسلطة، وعملت تلك الأسر كشريك محلي ووكيل للشركات العالمية.

شكلت عائلات الأسر التي حكمت تلك البلاد حكماً استبدادياً قمعياً مجرماً ثروات أسطورية في مقابل زيادة إفقار الشعوب وتدهور البنى التحتية والتراجع في جميع المجالات. وتسبب إبعاد المجتمع عن السياسية في سيادة العلاقات ما قبل سياسية (كالطائفية والمذهبية والمناطقية والقومية والعشائرية و..) والتي شجعتها السلطات المستبدة لتقسيم المجتمع على أسس غير سياسية بحيث يسهل السيطرة عليه عبر السيطرة على رموزه، كما تغولت السلطات الأمنية في كل مجال مجالات الحياة اقتصادية أو اجتماعية، وأصبح معيار الالتحاق بوظيفة ما أو بالدراسة أو .. هو مدى رضى الأجهزة الأمنية عن صاحب الموضوع، وبهذا اكتملت حلقات الفساد والتي دفعت المجتمع نحو الاحتقان في غياب صحافة حرة تفضح الفساد وعمل سياسي ينتج تداول للسلطة، وفي لحظة تاريخية انفجر هذا الاحتقان معلناً عن بدء التحولات في المنطقة، وانطلاق الربيع العربي في غياب الظروف الذاتية من أحزاب سياسية قادرة على نبذ خلافاتها والتجمع وتشكيل قيادة لهذا الطوفان الجماهيري.

تنبه الجميع لخطورة هذا التحرك، وتلاقت مصالحهم في وأد الربيع العربي، فتم دعم انقلاب السيسي في مصر، وعاد النظام القديم في تونس بوجه جديد، ودفع الشعب الليبي لاقتتال داخلي متعدد الأسباب والأشكال مما أنهك الدولة وأنهك الشعب وسهل وصول شخص مثل حفتر وهو أحد رموز نظام القذافي سابقاً، وفي سوريا تم غض النظر عن إجرام النظام بحق الشعب السوري ودفعت الأمور نحو أسلمة الثورة وتم تسهيل تشكيل الفصائل الإرهابية المتطرفة ودفعت الأمور نحو حرب لا تنتهي.

كان الشعب السوري عقدة المنشار، في خطة تدمير الربيع العربي، فما إن تهدأ أصوات الرصاص إلا وتعود أصوات الحناجر لتتعالى مطالبة بالحرية مرة أخرى، ولم تستطع كل الجهود التي بذلها الروس المجرمون عبر حرق الأخضر واليابس وقبلهم الإيرانيون وحزب الله ونظام الأسد في إسكات صوت الشعب الهادر المطالب بالحرية والانتقال من الاستبداد إلى المواطنة والديمقراطية.

لقد جمعت الأرض السورية قوات عسكرية رسمية وغير رسمية من معظم دول العالم شرقاً وغرباً، لتقصف وتقتل بحجج وذرائع مختلفة، ولازالت تلك القوى متواجدة رغم انتهاء أسطورة داعش التي خرجت من رحم تنظيم القاعدة الأمريكي الصنع والتي ساهم في تأسيسها نظام الأسد وحليفه نظام الملالي الإيراني.

وكان العمل الرئيسي لجميع هذه القوات هو قتل الشعب السوري الذي هتف للحرية وحلم بدولة ديمقراطية تعددية، وبعد سنوات من القتل والتدمير والتهجير وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الغازي الروسي لا زال الشعب السوري العظيم مستمراً في انتفاضته مطالباً بالحرية، وما المظاهرات الضخمة التي خرجت في محافظة إدلب وأرياف حماه وحلب تهتف للحرية إلا دليل على أن الشعب السوري لم يخضع.

لم تستطع كل الأنظمة التي هربت من استحقاق الربيع العربي، أو التي أعيدت بشكل أو بآخر لتحكم الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي في إيقاف التدهور ورفع سوية معيشة مواطنيها وتحسين الاقتصاد، بل زاد الفساد وتدهور الاقتصاد بشكل كبير، معلناً عن فشل تلك الأنظمة في إيجاد حلول لأزمات بلادها لأنها اعتمدت على الحلول الأمنية فقط، ولم تنتهج الديمقراطية والمواطنة وتسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية.

وما تكرار خروج المظاهرات في معظم دول المنطقة من إيران إلى الأردن إلى …، إلا دليل على فشل تلك الأنظمة في معالجة أزمات بلادها وحاجتها للتغيير الجذري، ودليل على أن مطالب الجماهير لن تخفت رغم كل شيء، ومازالت الجمرة تشتعل تحت الرماد ولازالت شرارتها تخرج بين الفينة والأخرى، بانتظار نضج الظروف الذاتية، وإنتاج قيادة موحدة تقود النشاط الجماهيري المطالب بالتغيير وتتعاون مع نظرائها في بقية دول الربيع العربي من أجل مستقبل أفضل لأبناء المنطقة في ظل تعاون وطيد بين المستبدين.

إن المظاهرات التي خرجت في سوريا خلال الأسابيع الماضية نبراس يضيء ويشحذ الهمم لبقية الشعوب المطالبة بحقها في التغيير نحو مستقبل أفضل في دول تعتمد المواطنة والديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان وتحقق العدالة الاجتماعية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل