ياسر محمد – حرية برس
بعد مضي أقل من يومين على سريان التفاهم التركي الروسي حول إدلب، بدأت مظاهر الحياة تدب في مفاصل قرى وبلدات المحافظة ومحيطها المحرر المشمول بالاتفاق، فانتعشت حركة الأسواق وشرع بعض النازحين بالعودة من المخيمات إلى بيوتهم، كما بدأت قوى سياسية ومدنية بالإعداد لمرحلة الإدارة المدنية التي تعد التحدي الأصعب في المرحلة القادمة.
يأتي هذا في الوقت الذي تتوالى فيه ردود الأفعال على الاتفاق من قبل النظام وحلفائه، مرحبين بالاتفاق ظاهرياً- كونهم لا يستطيعون الاعتراض على أوامر روسيا- وملوحين في الوقت نفسه بأنه تفاهم مرحلي لا بد وأن ينتهي بهجوم عسكري لاستعادة إدلب، فيما يبدو تكريساً لسياسة المقاومة بالشعارات التي يخدّر بها نظام الأسد مؤيديه.
ففي رد لم يتأخر على تفاهم إدلب، قال حسن نصر الله زعيم ميليشيا “حزب الله” الإرهابية في كلمة له أمس الأربعاء، إنه يدعم التوافق التركي الروسي، وأضاف: “نرحب باتفاق إدلب كخطوة على طريق الحل السياسي في سوريا.. ولكنه مرهون بالتنفيذ الدقيق”، مضيفاً أن “قوات حزب الله باقية في سوريا حتى إشعار آخر”.. وتهدف كلمة “التنفيذ الدقيق” التي استخدمها نصر الله إلى التشكيك بتنفيذ خطوات الاتفاق مستقبلاً وفق التفسيرات التي يضعها هو ونظام الأسد.
وبدا نظام الأسد وأجهزته وإعلامه في حالة إرباك شديد عقب إعلان الاتفاق الذي لم يكونوا على علم به، وفق ما أكد بوتين ووزير دفاعه، فجاء رد النظام على لسان مسؤولين من الدرجة الثالثة بعدما كان رأس النظام ووزير خارجيته يتوعدون إدلب يومياً، فقال سفير النظام في بيروت، علي عبد الكريم: “أراه (الاتفاق) اختباراً لمدى قدرة تركيا على الوفاء بتنفيذ هذا الاتفاق”. وقال مسؤول بوزارة خارجية النظام، أول من أمس الثلاثاء، إن الاتفاق “مؤطر زمنياً بتوقيتات محددة” ويعتمد على وحدة وسلامة الأراضي السورية.
وفيما لم يعلن مسؤول خارجية الأسد عن الإطار الزمني المزعوم للاتفاق، نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية تقريراً حددت فيه تاريخ الهجوم على إدلب في شهر تشرين الثاني المقبل.
وجاء عنوان تقرير الصحيفة حسب “روسيا اليوم” واضحاً في تحديد التوقيت، حيث قال: “العملية العسكرية في إدلب ستبدأ في نوفمبر”.
وقال التقرير، بحسب ما نقلت صحيفة عربي 21: “الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب، الذي أعلنه الكرملين على لسان ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس بوتين، بالكاد يمكن اعتباره نهائياً، لأنه ليس من مصلحة الرئيسين بوتين وأردوغان بقاء مجموعات إرهابية مثل (دولة الخلافة) أو (جبهة النصرة) في شمال سوريا”.
وتضيف الصحيفة: “لذلك فإن الخبراء واثقون من أنه بعد إنشاء منطقة معزولة حول إدلب، سيتم القضاء على الإرهابيين من قبل القوات السورية والتركية بمساعدة روسيا”. وهو سيناريو يبدو أنه يأتي ضمن سياسة التغطية على الهزيمة التي مُني بها النظام وحلفاؤه في إدلب، إذ أن تركيا تعزز من حضورها العسكري في نقاط المراقبة، وتزيد دعم حليفها الأقوى في المنطقة “الجبهة الوطنية للتحرير”، كما تتوارد أنباء عن تولي دولة عربية قيادة وساطة مع “هيئة تحرير الشام” لحل نفسها أو إيجاد مخرج يجنب المنطقة الاقتتال.
وفي سياق متصل، قالت مصادر محلية لحرية برس إن آلاف النازحين القدامي والجدد عادوا إلى مناطقهم التي نزحوا منها جراء هجمات النظام وحلفائه، بينما فضّل آلاف آخرون التريث ريثما يتأكدون من سريان الاتفاق، وأشارت المصادر إلى حركة نشطة في الأسواق ومفاصل الاقتصاد، فيما قال طبيب وسياسي معارض لحرية برس إن المنطقة تشهد حراكاً سياسياً وتنافساً لإدارة المرحلة المقبلة، مشيراً إلى عقد “مؤتمر وطني” قريباً وسط خلافات وتجاذبات بين مكونات المعارضة السياسية التي لم تنجح في إدارة إدلب منذ تحريرها عام 2015، وما زالت تتنازعها حكومتان (الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ)، تمثلان عملياً القوى العسكرية الحاكمة على الأرض.
عذراً التعليقات مغلقة