محمد العبد الله – حرية برس
توصلت تركيا وروسيا الاثنين الماضي الى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في الشمال السوري لتجنيب محافظة إدلب عملاً عسكرياً، ما أثار التساؤلات حول احتمال نجاح هذا الاتفاق وآلية تطبيقه، وهل فعلاً سيُجنّب سكان إدلب كارثة إنسانية، أم أنه مجرد توافق شكلي سيخرقه الأسد وروسيا كما فعلا في اتفاقيات سابقة.
وتضمن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كم في المنطقة بين مناطق النظام والمعارضة في الـ15 من تشرين الأول القادم، على أن تتولى الشرطة العسكرية الروسية والجيش التركي مهمة نزع السلاح الثقيل من الفصائل.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنه سيتم أيضاً بموجب الاتفاق فتح طريقي حماة-حلب، وحلب-اللاذقية قبل نهاية العام الحالي، وأنه “سيتم تطهير المنطقة (منزوعة السلاح بإدلب) من المتطرفين، وسيبقى الناس والمعارضة المعتدلة في مكانهما وسيتحقق وقف إطلاق النار”.
وأضاف أوغلو أن بلاده وروسيا ستتخذان تدابير لمنع دخول النظام إلى إدلب، ومنع وقوع أي هجوم عسكري عليها، مؤكداً أن “اتفاق سوتشي” سيحافظ على حدود إدلب، عبر تنفيذ دوريات مشتركة في المنطقة باستخدام طائرات بدون طيار، وأن بلاده سترسل مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى قواتها المتمركزة في 12 نقطة مراقبة بمحيط إدلب.
لماذا قبلت روسيا بالاتفاق؟
اتفاق ادلب جاء مخالفاً للرغبة الروسية بفتح عمل عسكري نحو المحافظة والقضاء على فصائل المعارضة فيها وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”، وهو ما يثير التساؤل حول سبب قبول روسيا بهذا الاتفاق.
وقال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة لحرية برس: إن “اتفاق ادلب يشير الى أن روسيا فضّلت مصالحها الكبرى مع تركيا على مصالحها مع النظام السوري وايران، وبالتالي فإن الخِيار العسكري في إدلب انتهى من قبل المنظور الروسي، وسلكت الطريق الدبلوماسي”.
.
.
.
.
.
بدوره قال الصحفي نورس العرفي لحرية برس: إن “أنقرة حليف هام لموسكو ولا يمكن أن تخسرها، خاصةً في ظل احتدام الخلافات بين موسكو وواشنطن، والعمل العسكري يريده النظام وترفضه تركيا، وقد حاولت روسيا إحراج الأتراك للبدء في المعركة، لكن ارتفاع حدة التصريحات التركية الرافضة لتلك المعركة، جعلت موسكو تنصاع لطلب أنقرة، خوفاً من خسارة حليف استراتيجي وهام، بسبب نظام الأسد الذي لا يقارن بتركيا وأهميتها كقوة إقليمية فاعلة ولها وزنها الدولي”.
.
.
.
.
كذلك قال الناطق باسم العشائر السورية مضر حماد الأسعد لحرية برس: إن “الضغط الدولي على روسيا دفعها لاستبعاد أي حل عسكري في إدلب، والنظام سعيدٌ بهذا الاتفاق، لأنه تخلص من الحرج أمام مواليه، فهو غير قادر على مهاجمة المحافظة بسبب ضعفه، خاصةً بعد انسحاب بعض الميليشيات الايرانية والعراقية من سوريا، فضلاً عن ضعف قدرات حزب لله”.
بينما قال الناشط السياسي سائد الشخلها لحرية برس: إن “الاتفاق الروسي التركي هو أهم اتفاق استراتيجي قد تحصل عليه روسيا على الاطلاق، فاذا تم الاتفاق فان تركيا ستصبح بوابة الشرق لروسيا، حيث أن موسكو التي تعتبر من دول القلب أي التي لا تمتلك أي منفذ استراتيجي مهم، سيكون لها منفذ بغاية الأهمية وهو تركيا، وبوتين مستعد حتى أن يخسر نظام الأسد من أجل تحصيل هذا المنفذ”.
سيناريوهات تطبيق الاتفاق
وحول آلية تنفيذ الاتفاق قال نورس العرفي: إن “الاتفاق سيُنفذ بدون صدام بين تركيا وهيئة تحرير الشام، وذلك لأن أغلب قيادات وعناصر الهيئة من السوريين الذين يعلمون أن معركة إدلب لو حصلت فستكون مجزرةً كبيرةً بحق المدنيين أولاً والفصائل ثانياً، ومن سيعارض الاتفاق وحل الهيئة هم قلة من العناصر وخاصةً المهاجرين، ومعارضاتهم لن تؤثر على قرار الأكثرية”.
بينما قال الصحفي مناف السيد لحرية برس: إن “تنفيذ الاتفاق قد يحمل خيارين، الأول فتح تركيا عمل عسكري عبر الفصائل التابعة لها لنزع السلاح من هيئة تحرير الشام، أو عبر حل الهيئة، ومن المرجّح تنفيذ الخيار الثاني”.
وأضاف السيد أن “المنطقة منزوعة السلاح ستمتد على عمق 20 كم تقريباً، 10 كم ضمن مناطق سيطرة النظام، و10 كم ضمن مناطق المعارضة، والهدف من هذه المنطقة فتح طريق حلب – اللاذقية، وحلب- حماه، وأن تكون بحماية تركية وفصائل مضمونة من أنقرة”.
خدعة أم مكسب؟
عقب توقيع الاتفاق زادت التكهنات حول مدى جديته، وقال مدير “مركز التوثيق الكيمياوي لانتهاكات النظام” العميد زاهر الساكت لحرية برس: إن “هناك خدعة وراء هذا الاتفاق، وما حدث في درعا دليل على ذلك، حيث تعهد النظام بعدم الدخول الى مناطق التسويات، وبعد 15 يوماً دخل الى تلك المناطق ونفّذ عمليات اعتقال وتصفية ميدانية بحق المدنيين”.
وأضاف الساكت أن “روسيا والأسد يسعيان الى خداع تركيا والفصائل لسحب السلاح، ومن ثم يسهل على الأسد بدعم روسي السيطرة على ادلب، وتركيا تحاول جاهدةً تجنيب المحافظة أي عمل عسكري، لكن روسيا وأميركا وايران متفقون على ضرورة اضعاف تركيا، وربما بعد السيطرة على ادلب سيتجهون لتقسيم تركيا”.
.
.
في حين قال سائد الشخلها: إن “نجاح الاتفاقية مرهون بمدى وثاقة الاتفاق الروسي التركي، وابتعاد أنقرة عن واشنطن، كما أنه لن يكون هناك عمل عسكري واسع النطاق على تحرير الشام، بل سيتم حلّها بأوامر من الأتراك، وتنضم العناصر لقوات درع الفرات مع سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة منهم وتسليم المدن لقيادات مدنية”.
وفي سياق متصل أوضح تقرير مجلة “أتلانتيك”، أن الاتفاق يُوفّر لموسكو العديد من الفوائد، منها منع حدوث تمزق كامل في علاقتها مع أنقرة (اللاعب الإقليمي ذي النفوذ في المنطقة)، والذي تحتاج موسكو للتعامل معه على عدد آخر من الجبهات.
وأضاف التقرير أن أي هجوم على إدلب من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل دولي ضد روسيا ونظام الأسد، في الوقت الذي تحاول فيه موسكو تحسين سمعتها في الدوائر الدولية، بهدف إعادة الاستثمار الأجنبي للمشاركة في إعادة الإعمار.
لكن التقرير أوضح أن الاتفاق الجديد هو مجرد تأجيل لمعركة إدلب، فلا يزال من غير الواضح الطريقة التي ستفرضها تركيا على الفصائل للانسحاب من المنطقة العازلة، ومع الضغط المتزايد الذي تفرضه موسكو على أنقرة لفصل الجماعات المعتدلة عن المتطرفة، يزداد تعقيد المهمة التركية في إدلب.
كما قال الدبلوماسي الروسي السابق نيكولاي كوزانوف لرويترز، إنه “من المحتمل أن نشهد اشتباكات طفيفة في الأشهر القليلة القادمة، مع محاولات من قبل النظام للسيطرة على الأرض عن طريق قضمات صغيرة”، مضيفاً “ستستخدم روسيا ذلك للضغط على الأوروبيين، لكنها ليست مهتمة الآن بعملية عسكرية كاملة”.
تحييد إيران
اللافت في الاتفاق غياب الدور الإيراني، ويرى الصحفي نورس العرفي، أن “إدلب ليست من اهتمامات إيران لأنها ليست ضمن المساحة الجغرافية لهلالها الشيعي، كما أن طهران لا تريد زيادة التوتر بينها وبين موسكو، خاصةً في هذه الفترة التي تطالب فيها إسرائيل ومن ورائها أميركا بخروج القوات الإيرانية من سوريا، ولتلك الأسباب وافقت ايران على الاتفاق”.
كذلك قال مناف السيد: إن “ايران سارعت الى التصريح بعدم رغبتها بحدوث أي عمل عسكري على ادلب قبل انعقاد قمة سوتشي، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، وهو ما يدل على رغبة طهران في وضع نفسها ضمن السياق العام لما يتم التحضير له في المنطقة حتى إن لم تكن حاضرة”.
أما سائد الشخلها أوضح أن “الدور الإيراني كان سلبياً، حيث أنهم أعلنوا حالة العصيان وقرروا أنهم لن يدخلوا بأي عمل عسكري بقيادة روسية، ولكنه أعلى سقف ستصله إيران الآن، فهي بموقف الأضعف ضمن الاتفاق، خاصةً وأنهم يخافون أن يتم فتح ملفهم في دمشق وريفها وادخالهم في معمعة لا تحمد عقباها”.
وعقب الاتفاق بين تركيا وروسيا حول ادلب، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن “الدبلوماسية نجحت في تفادي الحرب بإدلب، بالتزام راسخ على محاربة الإرهاب المتطرف”.
سقوط الطائرة الروسية لا يُجهض الاتفاق
وبعد ساعات من توقيع الاتفاق تعرضت طائرة “إيل-20” الروسية للاستهداف بصاروخ من منظومة “إس-200” التابعة للنظام، ما أدى لمقتل 15 جندياً روسياً.
وألقت روسيا اللوم على اسرائيل، موضحةً أن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلّق في نفس المنطقة جعلت الطائرة الروسية في مرمى نيران دفاعات النظام.
لكن الناطق باسم الرئاسة الروسية (ديميتري بيسكوف)، أعلن أن إسقاط الطائرة الروسية شرقي المتوسط، لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تنفيذ الاتفاق حول إدلب.
واتهم ناشطون الأسد بتعمد اسقاط الطائرة الروسية رداً على تنفيذ اتفاق ادلب، لكن سائد الشخلها قال: “لا أتوقع أن يكون لإسقاط الطائرة أي سبب، بل هو عدم تنسيق بين الأطراف وتكابر فوبيا الطائرات والقصف لدى النظام أدى به لهذا الخطأ، خاصةً أن النظام تعرض لأكثر من غارة في الفترة الماضية استهدفته وبقوة، ما أدى به للوقوع في الخطأ والتعجّل بإسقاط طائرة حليفة غير معتادة على ابلاغ النظام بجولاتها، وهو ما يثبت أن النظام السوري لا يملك تنسيق من الطيران الروسي”.
كذلك قال نورس العرفي: إن “النظام أضعف بكثير من أن يُسقط طائرة روسية رداً على أي قرار أو تصرف من موسكو، فالطائرة سقطت بالخطأ، وبحسب تصريح لوزارة الدفاع الروسية التي حمّلت فيه إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة، مبررةً ذلك بأن الطائرات الإسرائيلية كانت تتخذ من الطائرة الروسية ستاراَ لتختفي خلفها ما تسبب بإسقاطها”.
عذراً التعليقات مغلقة