على الرغم من أن القمة الثلاثية حول مدينة إدلب في طهران انتهت بمخرجات غير واضحة وموقف غير موحد، إلا أن تركيا استطاعت أن تغير الموقف الإيراني اتجاه المحافظة بعد أن كانت إيران تلوح بالهجوم العسكري على وتطهير إدلب من بقايا ’’الإرهاب‘‘، لكنها بدلت سياستها في خطوة مفاجئة لتوافق الجانب التركي بالحل السياسي بعيداً عن أي عملية عسكرية في المنطقة.
ويبدو أن تركيا قد نجحت فعلاً في مساعيها الدبلوماسية بإبعاد إدلب عن دائرة الخطر، لتخرج قمة سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي باتفاق رسمي بشأن المحافظة نص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين مناطق سيطرة المعارضة ونظام الأسد بعمق 15 إلى 20 كم يتولى الأتراك والروس الإشراف عليها ومنع الانتهاكات والاستفزازات فيها، الأمر الذي جنّب إدلب معركة كبيرة حذرت منها دول كبرى حتى لا تكون أكبر مذبحة في القرن الواحد والعشرين.
باتفاق الطرفين التركي والروسي نجد أن الطرف الثالث وهي إيران، قد تلاشى وجودها في وضع حجر بهذا الاتفاق، والتي سعيت بأن تكون جزءاً منه، إلا أن ذلك يوضح أن روسيا أرادت أن تتصدر المشهد على أنها اللاعب الرئيسي والأوحد في الملف السوري وتقصي إيران ومليشياتها بعيداً عن الساحة، وليس مستغرباً ذلك بعد تصريحات المسؤولين الإيرانيين عقب قمة طهران الثلاثية وقبيل قمة سوتشي الثنائية، بتراجعهم عن العمل العسكري في إدلب ’’خشيةً من حمام دم‘‘، ليسلموا دفة القيادة إلى الروس.
وبات واضحاً أن المساعي الإسرائيلية والروسية قد أحرزت تقدماً بمحاولة إبعاد إيران عن الساحة السورية، لا سيما أن ’’إسرائيل‘‘ ترى أن الوجود الإيراني في سوريا يهدد أمنها، لتقوم بين الحين والآخر بقصف مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، كما حصل مؤخراً عندما أغارت الطائرات الإسرائيلية واستهدفت منشأة لقوات الأسد في اللاذقية وقالت عنها، إنها كانت على وشك نقل أسلحة لمليشيا حزب الله اللبناني نيابة عن إيران. كما أن الحديث عن أزمة نشأت بين روسيا وإسرائيل في أعقاب ذلك الهجوم لايبدو صحيحاً، فالطرفين يعملان على إزاحة الوجود الإيراني وإقصائه عن سوريا، إضافة إلى الولايات المتحدة التي تسعى لأجل ذلك أيضاً.
ويبدو أن إسرائيل رفعت من نبرة تهديداتها اتجاه الأسد، حتى أصبح تداول خبر استهداف قصر الشعب ’’بشار الأسد‘‘ بماس كهربائي نكتةً ساخرة بيد الإسرائيلين، بعد استهدافهم المتكرر لمواقع النظام وإيران داخل سوريا، لا سيما بعد رفض طهران الاستجابة لسحب قواتها من الأراضي السورية، ومؤخراً لم يستبعد وزير الدفاع الإسرائيلي امتداد تلك الغارات إلى العراق.
التفاهم التركي والروسي فتح باباً للولايات المتحدة من أجل طرد إيران من سوريا، كما أن وجود السفن الحربية التابعة لحلف ’’الناتو‘‘ في المتوسط والتي باتت على مسافة قريبة من المياه الإقليمية السورية ليس مجرد صدفة، ربما كان وجودها معلقاً بعباءة استهداف الأسد وروسيا لمدينة إدلب بالكيماوي والتي حذرت منه دول عدة، إلا أن قمة سوتشي بشأن إدلب، ربما أوقفت ذلك الهجوم الذي كان يخطط له النظام والروس، وبقاء تلك المدمرات في قرب الشواطئ السورية بالتأكيد ليس لأجل التدريبات والمناورات العسكرية.
وهنا نرى أن إيران قد وضِعت مأزق ما بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، وخاصةً بعد فسحها المجال للروس وتراجعها المفاجئ عن هجوم إدلب بدايةً من تصريحات وزير الخارجية جواد ظريف ليتبعه مسؤولون آخرون، قد صنعت طريقاً لمحاولة إخراجها بالقوة من سوريا، ربما يكون عن سابق قصد وربما لا يكون ذلك، إلا ما أراه بعد قمة سوتشي، أتوقع أن تكون بداية النهاية للوجود الإيراني، والماسات الكهربائية سوف تكثر وتتحول إلى تيارات عالية التوتر.
عذراً التعليقات مغلقة