نشرت صحيفة “فايني آباريزني” الروسية تقريراً، تحدثت فيه عن عملية الهجوم على إدلب شمال غربي سوريا، التي انطلقت فعلا لتخيّب التوقعات التي تفيد بإمكانية تأخرها.
وقالت الصحيفة، في التقرير، إن هذا الهجوم ليس هجوما شاملا وكليا. في الأثناء، عبرت الوحدات التركية الحدود السورية من شمال المقاطعة، في حين دخلت قوات الأسد المحافظة، التي تحكمها المليشيات الكردية، من جهة الجنوب الشرقي. وحتى الآن، لا يزال بالإمكان تجنب الاشتباكات القتالية الخطيرة، على الرغم من أنه من غير المتوقع أن يستجيب المسلحون لنصيحة الرئيس الروسي، الذي أكد أن أفضل مخرج بالنسبة لهم سيكون عن طريق الاستسلام.
وليس من قبيل الصدفة أن يقارن الخبراء العسكريون ما تشهده إدلب بالوضع الذي ساد في خضم الحرب العالمية الأولى. ففي ذلك الوقت، حذر كل من المستشار نيكولاس الثاني وفيلهلم الثاني ملكيهما من مغبة التعبئة الجزئية، التي تتم الآن على حدود إدلب.
وأكدت الصحيفة أنه من الواضح أن موظفي الأمم المتحدة يقودون سوريا نحو صياغة دستور جديد، في حين أن ظهور كيانات مستقلة جديدة أمر لا مفر منه. وفي 11 أيلول/ سبتمبر، تلقى المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، دعما مباشرا من قبل الدول الضامنة للهدنة، بالمضي قدما نحو ترسيخ العملية الدستورية.
وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من النجاحات العسكرية التي حققها الأسد، إلا أنه سيكون على البلاد لملمة مخلفات الحرب الأهلية، التي طال أمدها، والتي انطلقت شرارتها من إدلب. وتجدر الإشارة إلى أنه كان يعيش في إدلب أكثر من مليون ونصف مليون نسمة. وفي الوقت الراهن، بات عددهم يتراوح بين 2.5 و3 ملايين نسمة، علما بأنهم ليسوا جميعا من النازحين.
وحسب الخبراء الروس الذين شاركوا في الدائرة المستديرة في قناة روسيا اليوم، لا يمكن أن نعتبر الوضع الحالي في إدلب ميؤوسا منه. لكن في الوقت نفسه، من السذاجة الاعتقاد بأن نقطة نهاية الصراع واسع النطاق في سوريا ستكون من خلال السيطرة على إدلب. ففي الوقت الذي قد تبادر فيه القوات الروسية بالخروج من البلاد، ليس من السهل على الإطلاق تفكيك التنظيمات الإرهابية.
ونقلت الصحيفة موقف مدير معهد الدراسات الاستراتيجية، ديميتري إيغورشينكوف، الذي قيّم الوضع الحالي في إدلب، على أنه معقد للغاية. وبحسب تقديره، يوجد ثلاثة سيناريوهات محتملة لحل المشكلة في إدلب. يعدّ السيناريو الأول، حسب وجهة نظر الإيرانيين، كارثيا بامتياز، حيث ستقدم جميع الأطراف المتقاتلة على التناحر داخل إدلب، متجاهلة الخسائر، لتقضي على كل ما تطاله حرفيا.
ولكن في إطار هذا السيناريو، سيكون أمام تركيا فرصة لإبقاء قواتها العسكرية في إدلب على المدى الطويل، وفتح الحدود الشمالية لسوريا. ويعدّ هذا السيناريو غير واقعي، حيث لن يسمح الجيش السوري بفصل إدلب عن سوريا.
وأفادت الصحيفة بأن السيناريو الثاني يعدّ أقل عنفا بكثير مقارنة بالأول، في حين يعد الأكثر انسجاما مع وجهة النظر التركية. فمن المقرر نزع سلاح المسلحين أو دفعهم لتسليم السلاح وانتقالهم إلى صفوف المعارضة، علما بأن هذه العملية ستستمر إلى ما بعد مرحلة إعادة إعمار سوريا. لكن توجد عديد الشكوك المتعلقة بمدى نجاعة مثل هذا السيناريو، خاصة أن هناك قدرا كبيرا من المخاوف بشأن تبعات تحققه على أرض الواقع.
أما السيناريو الثالث، فيعد الأكثر تلاؤما مع وجهة نظر دمشق -موسكو، حيث يقوم على إمكانية الدخول السلس والبطيء للقوات السورية إلى المحافظات، واستعادة العلاقات مع المواطنين بشكل تدريجي. على سبيل المثال، وحتى الآن، هناك بعض الأشخاص، الذين يتمتعون بقدر كبير من التأثير، مستعدون للحوار مع دمشق. وقد عبّروا عن استعدادهم بطريقة أو بأخرى لتهدئة الوضع وتحرير إدلب، ليس من النازحين وإنما من الأجانب غير المرغوب فيهم.
وأقرّت الصحيفة بأنه وفقا لما لاحظه المراقبون والخبراء، يعد السيناريو الثالث الأقرب لأن يحدث. لكن، أي سيناريو من السيناريوهات المذكورة آنفا لحل المعضلة في إدلب لن يسهل تنفيذه مع استمرار وجود قوات عسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومستقرة على الأراضي السورية. من الواضح أن الأمريكيين لا يرغبون في انتصار سريع لسوريا أو نهاية هذا الصراع طويل الأمد.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، حسب الخبير إيغورشينكوف، يتطور الوضع في إدلب وفقا للسيناريو الذي اختبره الأمريكيون سابقا في العراق، بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. ويحيل هذا السيناريو إلى وجود دائم للجيش الأمريكي في المنطقة، ما يسمح له بالتلاعب بالأطراف المتصارعة والاستفادة وتحقيق مصالح واشنطن على المستوى السياسي والاقتصادي. وبعد كردستان العراق، لا تمانع الولايات المتحدة قيام كردستان سوريا التي ستتاخم الحدود التركية، بغض النظر عما ستثيره من مشاكل بالنسبة لأنقرة.
وأوردت الصحيفة أنه حسب الخبراء، تستطيع واشنطن ممارسة ضغوط على جميع الدول تقريبا، وفي مقدمتها إيران، مع العلم أن الوجود الإيراني في سوريا يعدّ السبب الرئيسي للوجود الأمريكي في البلاد. في المقابل، يعدّ التمركز الروسي في سوريا أقل تعقيدا، خاصة أن علاقات موسكو مع أنقرة جيّدة في الوقت الحالي. بعبارة أخرى، يمكن لروسيا أن تتعاون مع تركيا فيما يتعلق بمسألة الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة تهديدا حقيقيا لأمنها القومي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بإجماع من قبل الخبراء، وحتى في حال انتصار الجيش السوري في معركة إدلب، لن تتوقف محاولات مواجهة الأسد وأتباعه من قبل المعارضين له. علاوة على ذلك، لن يتوقف المسلحون الأكراد عن انتهاج سياستهم الاستفزازية، كما أن من الصعب بلوغ تهدئة في جنوب سوريا بصفة تامة. وعلى الرغم من ذلك، يستبعد نيكولاي سوركوف فكرة إقامة حكم ذاتي كردي في سوريا، حيث قد تتفق دمشق مع الأكراد الذين قد تنحصر مطالبهم في الاستقلال الذاتي الثقافي.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أنه ليس من قبيل الصدفة أن شدد الرئيس التركي مرارا وتكرارا على قدرة بلاده على التعامل مع مسلحي إدلب. ومن الواضح أن استعادة دمشق بصفة تامة لإدلب أو حتى تحقيق مسألة الحكم الذاتي للأكراد غير واردة إلى حد الآن. وحتى تتدخل تركيا لحل الوضع في إدلب، فقد طالبت بتنفيذ شرطين اثنين: أولا عودة اللاجئين السوريين أو أغلبهم من تركيا إلى سوريا. وثانيا، تقديم ضمانات لمشاركة تركيا على نطاق واسع في عملية إعادة إعمار سوريا.
Sorry Comments are closed