إدلب تضع الكبار في مأزق

بسام الرحال13 سبتمبر 2018آخر تحديث :
إدلب تضع الكبار في مأزق

ليست واضحة ولا جلية لعبة التذاكي المتبادلة تلك التي تجري بين بوتين وأردوغان فيما يتعلق برؤية الرجلين كليهما لحل موضوع البقعة الوحيدة المتبقية لشتات الثائرين من شتى أركان الوطن. هذا إن كان لذاك الوطن أركان حقاً!.

موقف صعب ومؤلم ذلك الذي وضع أردوغان نفسه وتركيا والحلم الشامي برمته فيه في محاولة يائسة منه لإثبات أن اللحظة التاريخية والظرف الزماني مناسب لدرجة يجب ألا يفوت قبل أن يدرك العالم عظمة الأمة التركية ومدى قدرتها على الريادة والتفوق والانتشار كما كانت لأربعة قرون بدأها محمد الفاتح بإسقاط القسطنطينية بعد وقت ليس بقصير من أفول خلافة بني العباس، وقبل وقت قصير من انتهاء آخر قلاع بني أمية وملوك الطوائف ومن في حكمهم في الأندلس، وتعلل الرجل لتحقيق ذلك بأسباب كثيرة قد تبدو وجيهة وحقيقية تتعلق بأمن تركيا على واجهتها الجنوبية والشرقية المهددتين بأحلام انفصالية بدوافع قومية أحياناً وطائفية أحياناً أخرى، ولخوف دفين في عقل تركيا الباطن من طموحات ورغبات بعض الجيران الذين يحلمون كما يفعل هو بإعادة أمجاد امبراطورية توسعية باطنية، تستخدم فكرة المظلومية المذهبية التاريخية لتحقيق أهداف ليس لها علاقة لأمن قريب ولا من بعيد بالفكر الديني أو الطائفي ولها كل العلاقة بالتأثير العابر للحدود على أسس النفوذ والهيمنة والتوسع.

ولكنه لم يدرك أنهم قد وضعوا خططهم ومشاريعهم وبدأوا بالفعل بالعمل على تنفيذها قبل وقت كبير من حتى دخوله المعترك السياسي، وقبل أن يصوغ هو مشروعه ويرتب أفكاره لذا يبدو مشروعهم أكثر نضجاً وعلاقاتهم أكثر دقة ووضوح، وأنهم استطاعوا بخبرة وحنكة ومصالح مشتركة من إيجاد تحالفات متمددة تجعل من مواجهتهم بمشروع طارئ وغير مدروس أمرا في غاية الصعوبة.

لذلك بدأ دخوله في تفاهمات تتعلق بالوضع في الأزمة السورية ومحاولة أن يصوغ تفاهمات مع الفاعلين فيها سواء الروس أو الإيرانيين دخولاً ضعيفاً وغير متكافئ نظراً لتحالف الطرفين الآخرين لدرجة التشابه، بل ربما والتطابق، وضعف الأطراف التي تتبنى ما يذهب إليه أو ربما رغبتها بتوريطه وسرورها برؤيته يتجرع هزيمته وهزيمة مشروعه وإثبات أنه ليس دائماً من الممكن أن تغير الحضن الذي يضمك إلى حضن جديد يتناقض تماماً مع موقعك الثابت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ضمن جوقة سياسية وعسكرية عالمية قوية تقوده أمريكا وأوروبا الغربية من خلال معاهدات واتفاقات وأحلاف.

من هنا كان اتفاق أستانا ناقصاً وهزيلاً وظالماً، فقد استطاع الطرفان الآخران أن يجرأ تركيا إلى حيث أرادا وإلى حيث رغبتهما في تحقيق نصر تاريخي ساحق واستطاعا أن يستخدما نفوذ تركيا لتحقيق أهدافهما.

إن سقوط حلب الشرقية وعملية التبادل الظالمة والشنيعة التي رضي بها أردوغان مقابل حصوله على حصة لا تبدو ثابتة ولا حتى مؤكدة الثبات من ريف شمال حلب، قد دفعته إلى وهم أنه من الممكن له الحصول على الكثير مما حلم به وحلم به أسلافه على مدى عقود من السيطرة على البيئة المهددة لوحدة تركيا وأمنها القومي وداخل بيئة العدو وبعيداً عن العمق التركي، وبحسب القاعدة الجيوسياسية المعروفة التي تقول: “إنك إذا أردت الحفاظ على مصالحك وأمنك فعليك خوض معاركك خارج حدودك وعلى أرض العدو وضمن بيئته ونشاطه ومصالحه”.

وهذا ما قاده إلى القبول بفكرة مناطق خفض التصعيد، ولست ممن يعتقدون بسذاجة أردوغان لدرجة أن تستغل الأطراف الأخرى الاتفاق للإجهاز على نفس المناطق المتفق عليها واحدة تلو الأخرى حتى ينتهي بنا المطاف بمنطقة وحيدة متبقية يحاول أردوغان يائساً الحفاظ عليها، ويستجدي حلفاءه وأعداءه للحفاظ عليها أو على الأقل لإخراج إسقاطها بطريقة أقل فجاجةً مما حدث سابقاً في مناطق أخرى، ونسي أن من ضمن الاتفاق تفاصيل وثغرات قبل بها ووقع عليها وكانت هي خطأه التاريخي والتي تمثلت بفكرة الحق في ضرب المنظمات الإرهابية وتلك المتحالفة معها أينما وجدت وفي كل وقت ومهما كانت الظروف.

قبل أردوغان بحسن أو سوء نية بذلك، وما موقفه الأخير من اعتبار هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية وحديثه عن وجود إرهاب في إدلب إلا قبولاً بفكرة وضع إدلب وسكانها في زاوية صعبة وظالمة تقوم على ضرورة عزل “الإرهاب” وحله وإنهائه كشرط لإنقاذ إدلب، وما ذلك إلا تصريح بالعجز عن مواجهة باقي الأطراف في أستانا ورضوخ لمطالبها وإذعان لرغباتها، وهو الذي كانت تربطه علاقات بالإدارة العسكرية والسياسية في إدلب وتنسيق تام في الإدارة والخدمات والمعابر.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل