الغيرة على الأوطان أمر محفوظ بموجب الدستور، والقوانين الدولية تعطي الحق للدولة برد أي إعتداء على أراضيها، وليست سورية قصيرة حربة حتى تكون بنك أهداف مفتوح، إلا أن الثورة السورية كان من أهم نتائجها أنها عملت على تعرية ذلك الفرعون وكهنته وأن كل ما كان يدعيه من سيادة واستقلال كان عبارة عن شعارات واهية.
إن ما جعل الأراضي السورية مكاناً لترويح العدو عن نفسه ليس ضعف إمكانياتها العسكرية أو بنية مجتمعها، إنما وجود صاحب القرار في المكان الخاطئ وتشبثه بهذا المكان وحصوله على مباركة دولية بعد أن أثبت لهم حسن السيرة والسلوك بمواقفه السلبية وعدم الخروج عن مشورتهم. وبعد دخول إيران بكل أطماعها إلى الساحة السورية ومحاولتها تنفيذ مشروعها في الشرق الأوسط سواء بالتدخل المباشر أو عن طريق أذرعها في المنطقة فكان لابد من التلويح بالعصا الإسرائيلية لإعادة الوضع كما كان في عهد حافظ الأسد، إلا أن صبي الأسد الجديد وبعد أول خرق لسيادته اختار استعمال جملة “نحتفظ بحق الرد” ظناً أنه بذلك يوحي لمؤيديه بأنه يمتلك القوة والقرار، لكنه ومع تكرار هذا الاحتفاظ لعدة مرات تحولت جملته الشهيرة إلى أداة للسخرية وكشفت زيف ادعاءات المقاومة والممانعة التي كانوا يرضعونا إياها بكافة الوسائل وبكل المناسبات حتى لو كانت مناسبة زواج.
واستمرت تلك الفقاعات والتي بدأت منذ حكم حافظ الأسد بالتكاثر حتى أصبحت تسبب صعوبة بالتنفس لحكم الأسد الجديد والذي كان يرد على خرق سيادته في بداية الأمر بالتجاهل ودفن رأسه بالتراب وبعد انتهاء العدوان الغاشم يخرج إلى العلن ويرغي ويزبد ويتوعد ويندد ويهدد حتى يظن السامع أن إسرائيل قد دقت اسفيناً في نعشها وثم ما يلبث أن يتبع كلامه بأنه هو من يمتلك القرار بتحديد مكان وزمان المعركة وأنه لن ينجر وراء ألعاب صبيانية تمليها عليه إسرائيل وأدواتها.
وبقي الحلم يراود السوريون بأنه لابد أن يأتي ذلك اليوم الذي وعدهم به سيد الوطن ويا ليت ذلك اليوم لم يأت وبقي مجرد حلم فكل ما رأوه وسمعوا به كان عبارة عن بيانات عسكرية يتبعها دبكات في الشوارع لزيادة حجم فقاعة الرد الموعود التي طالما انتظرها الشعب السوري.
ولو أن الأمر بقي عند انتهاك سيادته العسكرية فقد كان يستطيع حفظ ماء وجهه ببعض الترهات لإعلامه الموبوء بالكذب لكن الأمر تجاوز ذلك إلى الناحية السياسية حيث أخذ المحتل الروسي موقعه في اتخاذ القرارات السياسية عن حكومة الأسد وظهر ذلك جلياً من خلال المفاوضات التي نتج عنها السيطرة على المناطق المحررة حيث اقتصر دور نظام الأسد على التنفيذ أو الحضور كمستمع فقط وأصبح الشعب السوري ينتظر تصريح الرئيس الروسي ووزير خارجيته في تقرير مصيره.
وحتى إيران التي أقحمت نفسها في الشأن السوري تلبية لأطماعها لم تترك مناسبة إلا وعملت على إذلال الأسد بفضلها في عدم سقوطه وبقائه في السلطة في كلام لا يخلو من قلة الأدب والاحترام أشبه ما يكون بكلام سيد مع عبده حتى وصل بهم الحال إلى مشاركة روسيا في ترسيم سياسة سورية ومستقبلها.
Sorry Comments are closed