إعلام الأسد كاذب.. ماذا عن إعلامنا؟

سليم قباني5 سبتمبر 2018آخر تحديث :
سليم قباني

“الإعلام السوري كاذب”.. هذا ما تضمنته صرخة شاب سوري في بدايات الثورة السورية في مدينة حلب.. قبل أن يوجه صفعة مباغتة بواسطة “شحاطة” لوجه الإعلامي الأكذب في نظام الأسد “شادي حلوة”، وهو يقوم بتغطية مباشرة على أحد قنوات النظام التلفزيونية، مدعياً أن الأمور بخير والأوضاع هادئة وليس هناك أي مظاهرات معارضة للأسد!

ولولا أكذوبة “الماس الكهربائي” التي لفقها إعلام الأسد قبل أيام للضربة التي تلقاها مطار المزة العسكري قبل أيام وأحالته إلى ركام بعد أن كان أبرز منشأة يستخدمها طيران الأسد لقصف السوريين وقتلهم تحت ركام منازلهم، لولا هذا “الماس الكهربائي” الخارق، لكان بعض من السوريين قد نسي أن أصدق وأشهر صفة يتميز بها إعلام نظام الأسد هي الكذب.

ولأن الكذب عند إعلام الأسد متأصل في جينات مسؤوليه، فإن أكاذيبهم ستتواصل، وسنبقى نتذكر “مذيعة المطر”، التي قالت ذات يوم في بدايات الحراك الثوري في محاولة لتكذيب خبر المظاهرات الحاشدة في حي الميدان الدمشقي: “لك المطر نزلت، بدكن نقول ما نزلت، لك أهلنا وأهل الميدان بيشكروا ربهن كل ما نزل المطر”، قالتها يومها باستظراف مفتعل وبسذاجة كادت تصيب المشاهدين بالجلطة!

وبعدها بفترة قصيرة خرجت مراسلة للتلفزيون السوري من وسط ساحة دم جراء مذبحة ارتكبها عناصر الأمن والشبيحة لتسأل إحدى الناجيات من القتل، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة: “مين قتلكم؟ المسلحين ما هيك؟” وحولها عشرات الشبيحة ومجرمو المخابرات، وهم ينفذون حرفياً مقولة جوزيف جوبلز وزير الداعية النازي: “اكذب ..اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك”.

هكذا حاول نظام الأسد قمع وتقزيم الثورة في الإعلام الذي يسيطر عليه، كان يكذب حتى يصدق هو الكذبة التي كذبها، ولم يكتفي بالأخبار الكاذبة، فكان ينشر الشائعات الكاذبة لكي تنتقل بين المدنيين مثل البرق حتى يخرج على إعلامه ويكذبها بكل سذاجة للسوريين، ويتهم إعلام المعارضة بنشر هذه الشائعات.

والأكثر مأساوية من أفعال النظام هذه أن بعض الناشطين الثوريين السوريين ساهموا بغباء منقطع النظير في نشر وتداول هذه الإشاعات، من دون أن يعوا خطورتها أو يتقصدوا هذا، وأستغل نظام الأسد بعض هفوات الناشطين السوريين مشككاً برواياتهم عن القتل والقصف والتشريد الذي كان يقوم به بكل حرفية في محاولة منه التأثير على الشعب السوري الذي ثار ضده.

وكان من أبرز من ساعده على تنفيذ هذه السياسة التضليلية بعض قادة الكتائب والفصائل في المعارضة، حيث أكدوا بأفعالهم المشينة ما نشره إعلام الأسد بين أوساط المدنيين البسطاء من أن مناطق سيطرة نظام الأسد فيها الأمان أكثر من مناطق المعارضة السورية بسبب القتل والقصف وأيضاً السلب والنهب، حتى اقتنع البعض ان ما يحصل في سوريا مؤامرة، وهو ما جهد النظام وإعلامه طويلاً ولحد الآن على ترويجه، والأنكى من ذلك أن مشكلة الفئة الأكبر من المدنيين السوريين في الخارج لم تعد جرائم نظام الأسد والقتل والتشريد أو القصف، وإنما الخدمة العسكرية، ولو أعفاهم منها لرجعوا إلى سوريا فوراً ليتابعوا العيش تحت سطوة وإذلال أجهزته القمعية!

وما يثير الحزن والشعور بالخيبة أن المعارضة السورية بكافة تشكيلاتها لم تنجز فعلياً في السنوات الاخيرة أي عمل جاد لهزيمة نظام الأسد في المعركة الأهم، وهي معركة الإعلام، بل راحت تغرق في الامور الأقل أهمية، وتضيع وقتها وجهودها في معارك جانبية مع بعضها، وهو ما جعل الثورة محل إدانة حتى في أوساط الثوار، وساهم في ضرب شعبية الثورة السورية، وأفقدها تعاطف الرأي العام العالمي.

وعلينا أن لا ننسى أن الكثير من وسائل الإعلام المعارضة سارت على نهج إعلام الأسد، فأصبح البعض يكذب مثلما يفعل نظام الأسد من دون أي مبرر، وما زاد الطين بلة أن بعض الناشطين والجهات المعارضة كانت تتعامل مع أي نقد بناء على أنه هجوم غير محق، وبات النيل بشكل شخصي ممن ينتقد أخطاء الإعلام الثوري والمعارض سلوكاً رائجاً بدل التحرك الجدي لتشخيص المشكلة وايجاد حل لها.

الآن وبعد كل هذه السنوات.. وبعد أن خسرنا معركة ربما هي الأهم في الحرب مع نظام الأسد، وهي معركة الإعلام، يبرز السؤال الخطير: ما العمل؟

ما هو مطلوب كبير وشاق، وأول ما يجب البدء به هو تقييم عمل إعلام الثورة والمعارضة، وتنظيمه عن طريق هيئات محترفة، تحاول تقنين العمل الإعلامي وتمييز العمل الصحفي الجاد الوطني عما تقدمه الصحافة الصفراء، ووسائل الإعلام التي تهتم فقط بالترويج لأحزاب وتيارات وجماعات على حساب حق التعبير والمعرفة، ويبدو واجباً رفع الغطاء عن هذه الأدوات الإعلامية الرخيصة والضارة بالعمل الوطني الثوري والإعلامي، التي كانت السبب الرئيسي في هزيمة إعلامنا الثوري والمعارض بمواجهة إعلام فاسد وكاذب ومضلل وغير أخلاقي كإعلام الأسد، وما لم نسرع في ايجاد ضوابط ثورية ووطنية وإعلامية حقيقية محترفة يلتزم بها الصحفي السوري في العمل فلن يكون بوسعنا أن نحلم بجولة قادمة نحقق فيها التفوق في معركتنا مع الأسد وأجهزته القمعية ومنها جهازه الإعلامي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل