اعتبر المعارض السوري رياض الترك أن الموقف الأمريكي في العموم هو الأسوأ بين المواقف على المستوى الغربي تجاه القضية السورية، مشددا في الوقت ذاته على أن الولايات المتحدة هي دولة كبرى وذات نفوذ إقليمي واسع، لا يمكن لنا إلا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الموقف، وأن نتعامل معه ونحاول أن نقلل من آثاره السلبية.
وقال الترك في حوار مع “القدس العربي” إنه “لا يمكن فهم الدور الأمريكي بخصوص سوريا، خارج سياق موقف إدارة أوباما تجاه ثورات الربيع العربي. فهذه الإدارة، لم تكن قادرة ولا راغبة في القبول بنتائج صناديق الانتخاب وبعودة الشعوب العربية لتكون جزءا من المعادلة السياسية وبإدخال تيارات الإسلام السياسي المعتدلة داخل اللعبة الديمقراطية، وفضلت في النهاية كما سابقاتها، إبقاء التعامل مع أنظمة عسكرية تدعي الاستقرار وتحكمها طغمة حاكمة يقودها رجل واحد يسهل التفاوض معه، وعقد الصفقات والحصول على تنازلات. في السياق السوري، يكفي النظر إلى مصير الخطوط الحمر لأوباما، وما نتج عنها من اتفاقات دولية لنزع سلاحه الكيميائي، جعلت في النهاية النظام السوري شريكا في هذه الاتفاقيات، وضمنت بقاءه ولم تمنعه من الاستمرار في استخدام هذه الأسلحة ضد الشعب السوري”.
وفي السياق ذاته أضاف “لا يمكن أن أنسى الدور الملتبس والسيئ الذي لعبه السفير الأمريكي فورد منذ اليوم الأول لتعيينه ممثلا لبلاده في دمشق. وكأنه أتى ليعمل على تقسيم المعارضة وزيادة البلبلة داخل صفوفها تجاه الثورة وخفض سقف مطالبها إلى أدنى المراتب، بما لا يمس بنية النظام واستقراره”.
ويرى الترك أن الدور الإسرائيلي اليوم، خطير جدا، وعبر عن قلقه من أن تكون إسرائيل هي البديل أو الحليف للروس في تعويمه وحمايته، مشيراً إلى أن اللوبي الإسرائيلي لعب منذ البداية دورا في الضغط على الإدارة الأمريكية لضمان بقاء النظام والعمل على إضعافه بعض الشيء. ورجح أنه في حال تحقق مستقبلا نهوض وطني سوري واستعادت الحركة الوطنية بعضا من عافيتها، فإنه ستكون في مواجهتنا قوة قمعية جديدة لا تختلف في وحشيتها عن القوة الروسية أو الإيرانية.
وشدد الترك على أن “لا وجود لنظام قائم في سوريا، وما يتم محاولة إخافتنا به هو عبارة عن وهمّ. فما هو موجود وقائم على أرض الواقع، هو عبارة عن مجموعة من العصابات والهياكل التي تستخدم على أنها امتداد للنظام، ولكنها في الواقع موضوعة في خدمة الاحتلال الروسي أو الإيراني”. مضيفاً “أنا على قناعة بأنه لم يعد هناك في سوريا شيء اسمه نظام بشار الأسد أو نظام آل الأسد. هذا وهم موجود في رؤوس البعض. اليوم عندنا دمية بيد الروس والإيرانيين”.
واعتبر أن الأسس التي بنيت عليها سياسات ورهانات وتحالفات المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية فشلت في تحقيق أهدافها في التغيير الوطني الديمقراطي، مضيفاً “حبذا لو تكون هناك وقفة نقديه جادة. فنحن أمام حالة جديدة باتت فيها سوريا محتلة من قبل قوى أجنبية، وبالتالي الحلقة الرئيسية اليوم هي النضال في كافة الأشكال من أجل إخراج هذه القوى الأجنبية من أرضنا. من المهم أن يدرك الناس أن الخلل الرئيسي اليوم، لم يعد في بقاء بشار الأسد من عدمه، أو في التمديد له سنتين أو أكثر، فهو مجرم حرب أمعن في قتل شعبه وديكتاتور سلّم بلاده للمحتل الأجنبي ومصيره في النهاية أن يحاكم ويحاسب. الخلل الرئيسي والحلقة المفصلية اليوم هي الاحتلال وضرورة النضال في سبيل إنهائه”.
وحول الخطأ في تشكيل المجلس الوطني في بداية الثورة، قال الترك إن “الخطأ الرئيسي كان الاستعجال في تحقيق وحدة القوى وتشكيل المجلس الوطني بناء على اتفاق بين عدة أطراف سياسية، على رأسها إعلان دمشق والإخوان المسلمون، من دون وضع شروط على الأطراف المشاركة، في حال أخلوا ببنود الاتفاق، تسمح بالانسحاب أو تمنع هذا الخلل. في البداية كان الاتفاق أن يتشكل المجلس الوطني في هيئته القيادية من سبع جهات سياسية، يتمثل كل منها على قدم المساواة بأربعة مندوبين، بحيث يكون المجموع العام 28 عضوا. ولكن سرعان ما أتت أطراف أخرى كالعشائر مطالبة أيضا بأن تتمثل سياسيا في المجلس، وبعد دخولها تبين أنها تدين عمليا بالولاء إلى جماعة الإخوان المسلمين. في النتيجة سربت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانبها عدة جهات تحمل صفة سياسية اعتبارية مستقلة عن الإخوان، لكن ممثليها هم عمليا أعضاء في الإخوان المسلمين. وفي هذا المعنى كنا أمام 28 ممثلا وأصبحنا أمام 52 ممثلا يدين جزء مهم منهم بالولاء إلى جماعة الإخوان المسلمين”.
وأضاف “الخطأ الثاني كان استسهال مقولة الدفاع عن النفس في وجه عنف وبربرية النظام، من دون أي رقابة أو تنظيم أو تخطيط محكم. نحن من جهتنا في الحزب وفي إعلان دمشق لم ننخرط في أي عمل مسلح، ولم نرتبط بأي جهة أجنبية، لكن غيرنا انخرط منذ البداية في العمل المسلح، وكانت له امتدادات إقليمية ودولية. وبالتالي تقدم الكثيرون إلى الساحة تحت مسميات إسلامية، وتمت شيئا فشيئا عسكرة الثورة ومن ثم أسلمتها لصالح أجندات العديد من الدول الإقليمية الراعية للتنظيمات الإسلامية المسلحة، وهذا بدوره أدى في النهاية إلى الانحراف عن توجهات الثورة الأساسية وإلى نوع من الوصاية الدولية على مؤسسات المعارضة”.
فيما رأى أن الخطأ الثالث كان الحلم والتمني لدى بعض القوى السياسية المعارضة في أن تنال الثورة دعما غربيا في مواجهة النظام وهذا لم يتحقق وكان في النهاية معاكسا لمصالح الثورة.
وحول أولويات العمل المعارض السوري في ظل الظروف الراهنة، قال الترك إنه يميل إلى “التأكيد على أن سوريا تم إفراغها من الداخل، ويجب أن نناضل بكل الوسائل من أجل عودة الناس من جديد إلى داخل سوريا، ولضمان سلامتهم وحفظ حقوقهم وعودتهم عودة كريمة وآمنة في ظل ظروف لا تكون الكلمة الفصل فيها للنظام القديم. فنضالنا سيبقى محدودا إذا بقي الناس خارج سوريا. يجب أن يعود الناس، ولكن ليس لأحضان الروس والنظام، فواحدهما أوحش من الآخر. وهنا المعضلة والتناقض، خصوصا في غياب أي تغيير جدي في بنية النظام وغياب أي ضمانات دولية، وأي توازن قوى يسمح بتأمين العودة الآمنة والطوعية والكريمة للناس. النضال من الخارج سيبقى على الأغلب مقيدا ومحكوما بشروط وضغوط الدول المضيفة، وبتوازنات القوى الدولية المنخرطة في الصراع في سوريا وعلى سوريا وبضعف التعاطف الدولي مع القضية السورية، وبعجز وضعف العديد من أطراف المعارضة المرتهنة للمحاور الإقليمية. ولن تقوم قائمة لأي معارضة حقيقة إذا لم تنجح في أخذ مشروعيتها من الداخل، وفي الدفع من أجل عودة السوريين الكريمة إلى بلادهم. وهنا يطرح السؤال عن إمكانية ودور الشباب وقدرتهم على بلورة حالة مستقلة ومغايرة تدفع في هذا الاتجاه”.
وأردف قائلاً “للأسف، بتنا محكومين ضمن موازين القوى السائدة، بقدرة الدول المنخرطة داخل الصراع في سوريا، على الضغط من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تتضمن تقاسم السلطة، ضمن مرحلة انتقالية لا تكون الكلمة الفصل فيها للنظام السابق، وتفرض على جميع الأطراف تقديم تنازلات متبادلة على أمل الوصول إلى حل دائم وعادل للقضية السورية، لكن آفاق الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات في المستقبل وموازين القوى في حالة تبدل مستمر”.
وحول الشرخ الطائفي الذي أحدثه النظام قال الترك إنه “غير مؤمن بطغيان هذا الانقسام الطائفي على غيره من الانقسامات في الاجتماع والسياسة السوريين. ناهيك عن أنني غير مقتنع بأن الطائفة العلوية تتمثل في بشار الأسد أو أنها ستجدد الولاء له. صحيح أن جرائم بشار الأسد سببت الأهوال لأبناء الطائفة السنية، من قتل وتهجير واعتقال، لكن في المقابل هناك ثمن باهظ دفعه أبناء الطائفة العلوية نتيجة الحرب التي شنها بشار الأسد على المجتمع السوري. فهناك قرى بأكملها أفرغت من رجالها وشبابها بسبب القتال، أو هربا من الخدمة العسكرية. والنتيجة النهائية كانت الدمار الذي أصاب كل الأطراف. ومهما حاول بشار الأسد أن يفعل، فيبقى أنه في إطار المعادلة السورية لا يمكن لأي طرف أن ينفي الطرف الآخر”.
أما عن إمكانية أن يقبل السوريون العيش تحت مظلة وطنية يرتضي بها الجميع، رأى الترك أن “الأمر ليس حول إمكانية عودة التعايش بين الناس من عدمه، لأن هذا الأمر هو بمثابة حاجة يجب أن نعي أهميتها ونعمل من أجلها، سواء توفرت هذه الإمكانية أو لم تتوفر. فالبديل هو الانقسام والمزيد من الانقسام. والبديل هو انتقال الانقسام إلى البلدان المحيطة بسوريا. وبصرف النظر عن الانتماء الديني أو القومي أو المناطقي، نحن بحاجة لبعضنا بعضا، وهذا يجب أن يكون جزءا من وعينا السياسي وأن تبنى السياسات وفقا لهذا الاعتبار، من أجل إعادة وحدة سوريا بعد أن تم تقسيمها إلى محميات ومناطق نفوذ بين الدول. في النهاية الوطنية السورية هي اليوم المرجعية والمظلة التي نلتقي تحتها جميعا، وهي أوسع من أي مظلة إسلامية أو قومية أو دينية أو حزبية”.
واعتبر الترك أن “القضية الكردية في سوريا تكمل القضية السورية، والعكس صحيح، فعندما ثار السوريون من أجل كرامتهم وحريتهم، كان منهم وفي مقدمتهم الأكراد السوريون. وما وقع على أبناء الشعب السوري من أهوال وإجرام وتهجير، وقع كذلك على الأكراد منهم. واليوم، ورغم كل الوقائع الجديدة التي خلقت على الأرض بيد غلاة الأكراد، فأنا أرى أن تلبية الحقوق الوطنية والقومية للأكراد وحل القضية الكردية في سوريا، لا يمكن أن يفرض بالقوة أو بالاستعانة بالدول الأجنبية، بل يجب أن يأتي في السياق الوطني، وهو لا يمكن أن يتحقق ويستمر إلا في سياق وحدة الأراضي السورية، وفي سياق النضال من أجل سوريا حرة وديمقراطية، تحترم وتصون حقوق جميع أبنائها”.
عذراً التعليقات مغلقة