في الوقت الذي ينشر فيه نظام عائلة الأسد أسماء ضحاياه الذين تم تعذيبهم حتى الموت بكل وقاحة، يعيش الغرب بصمت باستثناء تصريحات خجولة لا تقارن بمستوى الجريمة التي تحدث.
على صعيد آخر نجد بعض الدول تسارع لإظهار حرصها على حقوق الإنسان عبر اجتزاء حالات في عدد من الدول في منطقتنا العربية، وتسكت على حالات أخرى، وشهدنا الانتقادات الموجهة للمملكة العربية السعودية مثلاً من قبل عدد من الدول الغربية من أجل اعتقال ناشطات معارضات، بينما صمتت الدول الغربية عن مقتل مواطن إيطالي منذ عدة سنوات تحت التعذيب على يد أجهزة نظام السياسي في مصر، وصمتت ولا زالت تغط في نوم عميق على ما يقوم به نظام عائلة الأسد في سوريا من قتل ممنهج للشعب السوري، خصوصاً تعذيب المعتقلين في سجونه حتى الموت.
أي جريمة أبشع من تعذيب إنسان حتى يفارق الحياة، كم كان حجم الآلام التي عايشها قبل أن ترتقي روحه إلى خالقها، كم مرة تمنى الموت قبل أن تنتهي وجبة تعذيبه ويبقى حياً ويرمى وجروحه نازفة ليموت في بطئ.
حقوق الإنسان والديمقراطية لا يمكن أن تجزأ، ولا يمكن أن تسير حسب المصالح الاقتصادية للدول، فهذا موضوع أخلاقي يعبر عن رقي الأمم وتحضرها، ولا يمكن أن ننسى أن الدول الغربية بنت رفاهية شعوبها من سرقة دول العالم الثالث، وهذا يحتم عليها التعويض الأخلاقي على شعوب المنطقة، بالوقوف بوجه الطغاة على الأقل، والدفع باتجاه التغيير الديمقراطي.
رفض التغيير الديمقراطي من قبل دول الغرب لأنه يؤثر على مصالحهم الاقتصادية التي تعتمد على الهيمنة والسرقة، واجه عقبة كبيرة في سوريا، فلقد سعت كل الدول المتضررة من انتصار الربيع العربي إلى وأده في مهده، فالتفت عليه في مصر ثم أجهزت عليه بالضربة القاضية، ودعمت النظام القديم في تونس ليعود إلى الحكم بوجه آخر، وأشعلت حرباً لا تنتهي في ليبيا ودعمت مستبداً قاتلا مثل خليفة حفتر، وغضت النظر عن تمدد الحوثيين في اليمن ثم دعمت الحرب عليهم، لكنها تحكمت في مسار المعركة فمنعتهم من النجاح ومنعت قوات الحكومة الشرعية من القضاء عليهم قضاءا مبرما.
وحده الشعب السوري بكل عظمته وتاريخه وحضارته وقف بوجه محاولات تصفية قضيته ودفع أثماناً باهظة جدا لقاء إصراره على متابعة الطريق حتى النصر.
في العالم هناك حالات تمرد على الإمبريالية والشركات العابرة للقارات، فهناك النموذج الصيني وهناك النموذج التركي وغيرها من حالات التمرد التي تشي بضعف قبضة الإمبريالية رغم محاولاتها الإضرار بالاقتصاد التركي وحصار الصين، فأمريكا التي سعت دوماً إلى فتح الحدود أمام حركة التجارة العالمية وقفت اليوم لتضع قيوداً على وارداتها من تركيا ومن الصين ومن دول أخرى لأن تلك الواردات تفوقت على صناعتها فكان لابد من شن حرب اقتصادية على حالات التمرد هذه.
في سوريا هناك جيوش العالم قاطبة، تقصف وتقتل بحجج وذرائع مختلفة، فأسطورة داعش التي صنعوها بالتواطؤ مع نظام الأسد قاربت على الانتهاء، فتم شيطنة إدلب بحجة القاعدة، لكنها اصطدمت بإصرار تركي على عدم تدخل قوات النظام وفتح أي معركة عسكرية في تلك المناطق.
لقد احتوت سوريا على أراضيها قسماً كبيراً من دول الأمم المتحدة، كجيوش رسمية أو مليشيات غير رسمية، وجميعها تمارس عملاً وحيداً، قتل الشعب الذي هتف للحرية وحلم بدولة ديمقراطية تعددية، الشعب الذي هتف لا سلفية ولا إخوان، وهتف واحد واحد واحد الشعب السوري واحد، وتشريده في أصقاع الأرض، ليكون عبرة لغيره ممن يحاول شق عصا الطاعة.
لكن النتيجة الظاهرة أمامنا حتى اليوم وبعد سنوات من القتل والتدمير لازال الشعب السوري العظيم مستمراً في انتفاضته مطالباً بالحرية رغم وجود الجيوش الدولية والمليشيات المختلفة، ورغم كل الإجرام الذي مارسه نظام عائلة الأسد، وآخرها تسريبه لأسماء عشرات الآلاف من ضحايا جلاديه وسجونه، والذين قضوا في فترات الثورة الأولى، أي الشباب المدني المبدع الذي أذهل وأحرج العالم بثورته، وإخراج النظام لكل مجرمي وإرهابيي العصر من سجونه، وتسهيل حصولهم على الأموال والسلاح، وهذا يدل على أن هذه الأعداد الكبيرة من الشباب المدني التي قضت في سجون الأسد كانت تشكل خطراً كبيراً على نظامه، لكن يجب أن لا ننسى أن هناك مئات الآلاف من أمثالهم مازالوا في مناطق النظام ينتظرون الفرصة المناسبة لينتفضوا مرة أخرى، وهناك مئات الآلاف من الشباب الذين أصبحوا سفراء الثورة السورية في دول العالم المختلفة بعد هجرتهم هرباً من نظام مجرم يقتل الشعب السوري ويدمر سوريا، أي أنه ورغم كل شيء مازال الشعب السوري شوكة في عيون العالم ولا زال صامدا صموداً أسطورياً.
عذراً التعليقات مغلقة