إدلب بين تخاذل العالم وبروباغندا التحريض الروسيّة

أمجد الساري1 سبتمبر 2018Last Update :
أمجد الساري

مع تسارع وتيرة الأحداث السياسية والعسكرية على الساحة السورية، تتجه كافة الأنظار الآن إلى مدينة إدلب، آخر معاقل الثوار وعاصمة “المهجرين” التي تأوي مئات الآلاف من السوريين الذين هجرهم نظام الأسد بعد تدميره واحتلاله لمدنهم وقراهم.

وفي خضم الأحداث المتسارعة والتفاهمات الدولية والاتفاقيات التي تجري من خلف الستار، باتت مدينة إدلب تنتظر اليوم مصيراً مجهولاً، في وقت باتت فيه جميع السيناريوهات محتملة، وجميع الخيارات مفتوحة، فنظام الأسد ومن خلفه وروسيا يحضران لعملية عسكرية كبيرة قد تستهدف المدينة، إلا أن وجود لاعب دولي مهم وهو “تركيا” في المعادلة قد يعيق أو يؤجل تلك العملية، فروسيا لا تريد الاصطدام مع تركيا في الوقت الحالي لوجود مصالح مشتركة بين البلدين.

تصريحات تأتي من هنا، واجتماعات ومباحاثات تُجرى هناك، والهدف هو التوصل لحل نهائي يرضي مصالح جميع الأطراف. تركيا والتي تعد عاملاً أساسياً في مسألة إدلب، ولها دور مهم في تقرير مصير المدينة، ترفض أي عملية عسكرية لنظام الأسد وروسيا على مدينة إدلب في الوقت الحالي، خاصة مع وجود نقاط مراقبة تابعة لقواتها في المدينة، ومع اتخاذ روسيا من “هيئة تحرير الشام” ذريعة لمهاجمة المدينة، تحاول تركيا التوصل إلى اتفاق مع الهيئة يقضي بحل نفسها أو ستكون أمام مواجهة مباشرة مع تركيا في حال عدم قبولها لهذا العرض، وقد تلوح تركيا بالخيار العسكري ضد الهيئة عن طريق الفصائل التي تدعمها، وتشن حرباً لإنهائها على غرار عملية “درع الفرات” ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بريف حلب.

روسيا اللاعب الأكبر في المسألة، والداعم الأساسي لنظام الأسد في جميع عملياته العسكرية ضد المدن السورية، والمسؤولة عن جميع الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري، من قصف ودمار وحصار، تحاول اليوم تبرير جرائمها بحق السوريين بوجود “إرهابيين” في المدن التي يتم استهدافها عن طريق طائراتهم وصواريخهم، وتحاول اليوم تبرير العملية العسكرية على مدينة إدلب بوجود “هيئة تحرير الشام” فيها، فيخرج وزير خارجيتها سيرغي لافروف ويهدد ويتوعد مدينة إدلب متذرعاً بوجود إرهابيين في المدينة يهاجمون القاعدة العسكرية الروسية في حميميم بريف اللاذقية عبر طائرات مسيرة، متوعدا بالقضاء عليهم.

لم تكتفِ روسيا بالتهديدات فقط، بل اتهمت فصائل الثوار بأنهم سيستخدمون أسلحة كيميائية بهدف “تعقيد عملية مكافحة الإرهاب” على حد زعمها. التحذيرات الروسية من هجمات كيميائية محتملة قد تحصل في إدلب، ماهي إلا رسالة واضحة تنذر بكارثة جديدة قد يكون ضحيتها آلاف المدنيين، فنظام الأسد قد يشن هجوماً جديداً بالأسلحة الكيمائية على مدينة إدلب لاتهام فصائل المعارضة بالهجوم واتخاذ ذريعة لمهاجمة المدينة.

بروباغندا الإثارة والتحريض التي كانت تمارسها روسيا طيلة الثلاث سنوات الماضية ضد منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، وحملة التشويه الممنهجة التي كانت تتبعها ضدها، كان هدفها الأساسي التغطية على جرائم نظام الأسد وخاصة جرائمه (الكيماوية)، فقد لعبت منظمة الخوذ البيضاء دوراً أساسياً في فضح جرائم الأسد والروس أمام المجتمع الدولي والعالم عن طريق عمليات الإنقاذ التي كانوا يقومون بها وتوثيق المجازر والقصف عن طريق الكاميرات المثبتة على الخوذ، ولذلك تريد روسيا التغطية على جرائمها عن طريق اتهام الخوذ البيضاء بالإرهاب وحيازة الأسلحة الكيميائية.

ومع تزايد حدة التصريحات الروسية حول الأسلحة الكيميائية، تتعالى أصوات تصرحيات أمريكية فرنسية بريطانية تحذر نظام الأسد من مغبة استخدام أي سلاح كيميائي ضد المدنيين في إدلب، مؤكدة على أنها لن تتسامح مع استخدامه للأسلحة الكيميائية، ولكن ماذا لو عدنا إلى الوراء قليلاً، تحديداً قبل خمس سنوات، فقد استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، وقتل أكثر من 1450 مدني بدم بارد وبليلة واحدة، فهل تمت محاسبته على جريمته ؟!

الجواب معروف لدى الجميع، فقد تمكن الأسد من الإفلات بجريمته بل عاد واستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين بعد مجزرة الغوطة أكثر من 183 مرة بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فما هي فائدة هذه التحذيرات إذا كان نظام الأسد يحتمي تحت مظلة الفيتو الروسي ويفلت من العقاب بفضل أسياده الروس الذين يدعمونه دولياً !

مصير مجهول ينتظر مدينة إدلب، ومشهد يبدو ضبابياً وغير واضحاً،ترقبٌ مستمر من قبل المدنيين داخل المدينة التي تضم مئات الآلاف من المهجرين الذين هجرهم نظام الأسد من مدنهم وقراهم، وعلى عكس المدن الأخرى، فالمشهد في إدلب مختلف تماماً ويبدو أكثر تعقيداً نظراً لتضارب مصالح الدول الإقليمية وعدم التوصل لاتفاق نهائي يرضي جميع القوى والأطراف.
Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل