“نجوميّة” الجولاني والأسد: باباراتزي الخواء

عمر الشيخ29 أغسطس 2018آخر تحديث :
“نجوميّة” الجولاني والأسد: باباراتزي الخواء

ربمّا كانت الثّورة السّورية بمثابة صدمة التّوقف عن السّير على أربع أطراف وهزّ الرؤوس بالموافقة على موتنا بطرق مختلفة. إذ كان الحلم بالديمقراطيّة لا يزال بعيداً، قُبيل التّخلص من عادات متجذّرة في أغلب السّوريين، منها مثلاً “التبرّك” بالرمز – الشخصيّة، أو المكان – الأيقونة، وتدوين ذاكرة بصريّة قد تصلح لألبوم شخصي، لا يمكن حشره في مشهد الصّراع على الحريّة الّذي نخوضه سعياً للعدالة والقانون.

ماذا تفيد النّاس صورة صاحب مطعم “فوجئ” بزيارة للطاغية وعائلته؟ أو صورة عناصر مسلّحة أجنبية ومحلية، يلقي عليهم أمير “جهاديّ” خطبة عقائديّة عن ضرورة الانتحار “الفدائيّ” بالمفخّخات؟

لماذا ينتظر النّاس شخصيّة مشهورة أو شخصيّة أحدثت ظاهرة ما، كي يتعلقوا بمركب حضورها وكأنّها المنقذ لخلاصهم؟

لماذا تفاضل بعض الشّعوب على التعرّي -عادة- من أيّ كبرياء أمام زعيم أو وزير أو مسؤول أو واجهة إعلامية أو نجم صفعه الضوء بالصدفة؟

مناسبة هذه الأسئلة مشاهد في الأحداث السّورية مع بعض العادات الراهنة التي تبلورها هذه الحرب، لا سيما عادة قادمة من الجهل والعماء إلى التّمسك “بالأيقونة” على اعتبارها إثبات ذاتيّ مزعومة للطمأنينة الشّاملة والتّعلق بالأقوى والأشرس على أنّه “الحق”!

مؤخراً بات زعيم جبهة النّصرة المعروفة بـ”هيئة تحرير الشّام”، يتجول بين مقاتليه على جبهات ريف السّاحل السّوري وريف إدلب، تحت عين الكاميرا، بل وظهر في فيديو قصير من مكتب خاوٍ إلا من علم التّنظيم الجهاديّ الذي سيدفع بإدلب وما حولها إلى الجحيم، للتحدث عن قرار رفضه حلّ “النّصرة”.

وتناسلت التحليلات حول ما إذ كان الرجل مرتاحاً لمخطط ما يحاك بشأن فصيله الإسلاميّ، إلا أن القوة والدعم الكبير الذي تلاقيه “النّصرة” شمالاً من حاضنة وكنف ذو مرجعيّة دينيّة جعل النّاس ترى في صورة “الجولاني” فاتحاً يحمل مشروعاً إسلاميّاً يطبّقه بقوة السّلاح وهذا ما تؤكده الأخبار القادمة من إدلب منذ أسابيع لدرجة أن تركيا تفاوضه بشكل شخصي على الحلّ!

بالمقابل يشعر المتابع بأنّ ذاك “الجولاني” ينافس بشكل أو بآخر “بشار الأسد” الذي ظهر في ذات الفترة ضمن مطعم بدمشق مع أسرته وهو الذي يعمل باحترافية كبيرة على التّسويق والدّعاية “لتواضعه” إعلاميّاً في مواجهة آخر الأوراق التي تقسمها روسيا مع تركيا من أجل مصير بعض مناطق الشّمال مثل إدلب، والشّعب الموالي سواءً لصف “أبو محمد الجولاني” زعيم النّصرة، أو لصف “بشار الأسد” رئيس النظام السوري، يحتفل و”يبارك” وينتظر النتائج من تلك الصور وما قد تحيله من تأثيرات على الشّارع، ولا ندري لماذا كان توقيت الظهور بهذا التقارب؟ وكأن الماكينة الإعلامية لهؤلاء تعمل على التّرويج للقرب المزعوم من عامّة النّاس في قمة توترهم، أي إعادة انتاج صورة الزّعامة كـ “مخلّص” سواءً أكان حليفاً لدولٍ احتلّت سورية بالوكالة، أو منفّذاً لمخطط دولٍ ضامنة أرسلت تطرفها تحت مزاعم “الجهاد” لخطف الثّورة السّورية.

ويبقى الحديث مستمراً لأيام عن تلك الصور، وكأنّ مشاهد الألم اليوميّة الّتي يعيشها الداخل السّوري والمعتّم عليه بطريقة كارثيّة، يطمس النّضال المستمر للسّوريين. فهم يتحمّلون جنون الفصائل المعارضة وتخبّطها، وانتقام النّظام وحلفائه من المدنيين. هل أسمّيه “صموداً”؟ لا أظن ذلك، إنّ لهؤلاء النّاس مقدرة لا توصف على التّحمّل والصبر بانتظار الحقيقة واليقين، فيما لو وصلوا إليهما بعد عقد من الزمن على أقرب تقدير. لكن هذا الشّارع المطمئن لسلطة البنادق يوجّه نظرته أيضاً إلى الأراضي المحتلّة في فلسطين، حيث ظاهرة “عهد التميمي” وتصريحاتها بشأن دعمها لـ”حسن نصر الله” زعيم ميليشيات “حزب الله اللبناني” أحد أذرع إيران في الحرب السّورية، إذ تناولتها أقلام بانتقادات حادة بسبب هذا الدعم، وبلا شك أن مراهقة سياسية مثلها قد ترى “بشار الأسد” بطلاً قومياً أيضا! إنّ ذات الأقلام المنتقدة إياها صنعت من تواضع تجربتها وقضيتها مع الاحتلال، نجوميّة وشأناً أكثر من اللزوم، وصارت المقارنة كيف صفعت “التميمي” جنديّاً إسرائيليّاً وتمت محاكمتها في سجون الاحتلال والتعامل “الحضاري” الّذي تم تسويقه لها كسجينة “سياسية” في الوقت الّذي ظهرت قوائم الموت تحت التعذيب لبعض السوريين الّذين تظاهروا وصفعوا بالورود والماء جنود النظام منذ سنوات!

برأيي لتتحمل تلك الأصوات مقداراً من المسؤوليّة بالحديث عن قضية أقل أهمية من قضيتنا السورية وثورتنا، ولتذهب المشاغل الصحفية إلى متابعة تصريحات فتاة نقلت قضية كبيرة مثل فلسطين إلى مخيلتها التي لم تصور لها ما يعانيه السّوريون من ميليشيات إيران ونصر الله، لتقول ما تريد، الأهم أنكم صنعتم منها “أيقونة شارع” في الوقت الذي تفقد مئات الفتيات والشباب عنفوانهم في ظل الرّعب الجاثم على أحلامهم، والطاغية يتجوّل في الشّوارع كأنّه “الخلاص الشّعبيّ” سواءً في فلسطين أو سورية!

لماذا لا يتم التّركيز بشكل عملي على قضيتنا، ما شأننا بصور أناس يعتاشون على القضايا ودماء ضحاياها؟ إمّا أن يكون هناك عدالة ومتابعة مستمرّة لكلّ ما يهم الثورة السورية في قراءة الصور- الأيقونة، وتقريبها من الشّارع على أنها تسعى للخلاص النقي من براثن طغمة القتلى، أو أن تتركوا المنابر للأصوات الجديدة لتكتب وتقول وتنتقد بحريّة.

إن ما يثير الغيظ حقاً هو رؤية من كان في سلطة النظام لسنوات مضت وخدم وساهم بتعزيز قوته وأخذ صوراً في مشهد الحضور الحديدي للاستبداد، ثم يقفز إلى واجهة القيادة السياسية للثورة بحثاً عن مكان وصور أيضاً، ثم يستقيلون تباعاً! وما شاهدناه من هبوط نجم هؤلاء دفعة واحد يؤكد عدم الكفاءة والتّحرّر لقيادة العمل السّياسي، لأنهم كانوا أدواتاً للواجهة، أعمتهم (فلاشات) التصوير وصراخ الرفض الشعبي، ها نحن نشهد تأثيرهم على الأرض، كسقوط مدوٍ، مرة يؤلّه رئيس نظام وكيل لروسيا وإيران والولايات المتحدة، أو يصوّر “أمير” تنظيم متطرف تبحث عنه مخابرات العالم -وربما تديره- وتريد أن “تخلّص” المنطقة من “إرهابه”! بينما السوريون أنفسهم يشتمون حلفاء الميليشيات الإيرانية ويصنعون من أبناء أحداث الصدفة “أيقونات” وحديث شارع، ثم يبتسم بعضهم لتواضع نزول “القائد” إلى الشارع بمنتهى الضوء الذي كان ينقصه مشهد الـ”*باباراتزي” الثوري الفارع الذي يعتبر نفسه في مكان آخر “أميراً”!

 

* مصورو صحافة المشاهير أو باباراتزي، باللغة الإيطالية “ Paparazzi”

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل