حالُ المهجّرين اليوم في الشمال المحرر وهواجسهم التي لا تكاد تنتهي في مرحلة من أصعب فترات الصراع الدامي الذي فرض عليهم من عدو غاشم وجوقة دولية شريرة تحيط به من شماله ومن يمينه، ملكت قراره ومقدرات حكمه السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية وعصفت في طول البلاد وعرضها قتلاً وتنكيلاً وتهجيراً.
هذه الحال المزرية للمهجّرين أتت من التفكير بمستقبل يبدو غامضاً ومتشابكاً، لدرجة يصعب معها التكهن في ظلّ صراعات إقليمية ودولية على السيطرة والنفوذ وبالمألات التي ستتمخض عنها تلك الصراعات والتحالفات والتفاهمات.
وضعُ المهجّرين ونظرة العالم لهم تختلف اختلافاً كلياً عن أصحاب الديار في الشمال السوري، فأهل الديار سيفرض عليهم خيارين لا ثالث لهما، “حرب أو تسوية سياسية” بين الأطراف الداعمة والمؤثرة على طرفي الصراع، وهذا مفهوم وواضح ويبدو متماهياً مع حدث في بقية المناطق مع فارق واحد هو انتفاء التهجير لأهل الشمال لعدم وجود مكان آخر يذهبون إليه.
ولكن ماذا عن المهجّرين الموسومين بالإرهاب بإرادة جزء كبير من الدول المتدخلة في الشأن السوري، والتي تبنت فكرة تبدو ماكرة وسخيفة في آن واحد اخترعها النظام وحلفائه تفيد بأن كلّ من رفض البقاء تحت حكم الأسد هو إرهابيّ وجب محاربته.
فإن كان الخيار حرباً بإرادة سكان الشمال أو بدونها سيشترك الجميع في مصير واحد مهما كانت النتيجة، أما إذا كان الخيار تسوية سياسية؛ فهنا السؤال الكبير عن مصير المهجّرين من باقي المناطق، فهل ستُقام لهم معسكرات اعتقال تُشبه المعسكرات النازية، أم ستقام لهم محاكم تفتيش كتلك التي حاكمت العرب والمسلمين بعد خسارة حربهم في الأندلس، أم ستتم إعادتهم إلى مناطقهم بمواكب أقرب ما تكون إلى المواكب الجنائزية المذلة والمهينة قبل أن يحكم عليهم بالموت بأكعاب القباقيب.
كثيرةٌ هي الأسئلة التي لا يمكن لأحد الإجابة عليها عدا رجل واحد هو الرئيس التركي “أردوغان”، فالرجل هو صاحب اليد الطولى في الشمال السوري ويحسب له ألف حساب عند كلّ الفصائل العاملة هناك، ويعتبر وكيلاً حصرياً للقرار في الشمال المحرر وكونه صاحب البروتوكولات والتفاهمات الغامضة والمبهمة مع الروس الوكلاء الحصريين للنظام وميليشياته، والتي يُمني الكثيرون النفس في أن تصب تفاهماته تلك في مصلحة السوريين في الشمال جنباً إلى جنب مع مصالح الأمن القومي التركي الشغل الشاغل للرجل ومستشاريه، وأن لا تحكم عليهم بالفناء والعزلة كلياً أو جزئياً، ولسان دعاء الكثير منهم اللهم لا تفجعنا بأردوغان فيرهن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا لغريب يتجهمنا أو لعدو يتملك أمرنا، ولا تجعلنا كيوليوس قيصر المصدوم من خيانة صاحبه الحميم فنصيح جميعاً بأعلى صوت “حتى أنت يا أردوغان” !!.
عذراً التعليقات مغلقة