مستقبل إدلب بين تعنّت “تحرير الشام” وجموح “حلف الأسد”

فريق التحرير27 أغسطس 2018Last Update :
“أبو محمد الجولاني” زعيم هيئة تحرير الشام في آخر ظهور له بريف اللاذقية بحسب معرفات “الهيئة” في 22 أغسطس 2018

مالك الخولي – حرية برس

تعيش محافظة إدلب وما حولها من المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد أياماً حاسمة، طبول الحرب تقرع، والحلول تضيق أمام نحو ثلاثة ملايين سوري يقطنونها، الكثير منهم وجدها ملاذاً بعد أن غدا مهجراً قسرياً أو هارباً من بطش الأسد ومليشياته.

وقد تبدو إدلب لقمة غير سائغة إذا ما أخذنا بالاعتبار امتلاك فصائلها المسلحة المعارضة للأسد عشرات الآلاف من المقاتلين، لا خيار أمامهم سوى القتال، مقابل نقص بشري حاد تعاني منه قوات الأسد ومليشياته دفعها للاستعانة بفصائل “المصالحات” والمليشيات الكردية، عدا عن الاعتبارات السياسية الأخرى لا سيما المتعلقة بملف اللاجئين وموازنة الصراع.

ولطالما كانت “هيئة تحرير الشام” ذريعة الروس المفضلة في تأمين الغطاء اللازم لاجتياح مناطق المعارضة وقتل المدنيين بحجة “مكافحة الإرهاب”، وهو ما تحاول تركيا درأه عبر إقناع “الهيئة” بحل نفسها، إلا أن الأخيرة تبدو غير مستعدة للتفريط “بمكتسباتها” بعد أن أجهزت على نحو 20 فصيلاً من الجيش السوري الحر، وباتت صاحبة اليد العليا حيث تسيطر على المعابر ومعظم المرافق الحيوية في تلك المناطق وتقاسم الناس أرزاقهم ومعوناتهم.

في المقابل؛ يرى مراقبون أن الهيئة اتخذت عدة خطوات توحي بسيرها نحو الاعتدال واتخاذ مواقف أكثر انفتاحاً، عبر عزل أو تصفية المحسوبين على الجناح المتشدد منها، وملاحقة خلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وقد ذهبت بعض التقارير إلى الحديث عن تنسيق أمني مع الأتراك، حيث ترمي إلى فرض نفسها كلاعب أساسي ضمن أي حلّ محتمل.

يأتي هذا في وقت قالت مصادر قيادية في هيئة تحرير الشام لـ”حرية برس” إن الهيئة بدأت مساء اليوم الإثنين سلسلة اجتماعات ولقاءات على مستوى القيادات في ريف إدلب لدراسة المستجدات بهدف التوصل إلى قرار قد يفضي إلى حلّ الهيئة وتجنيب إدلب معركة شاملة.

براغماتية الجولاني

“لا تفاوض على السلاح” هذا ما أكده الجولاني في خطابه الأخير، وفي هذا الصدد يرى الباحث المعارض والأكاديمي السوري الدكتور عبد الرحمن الحاج أن خطاب الجولاني يوافق الخط العام للجبهة التي تنتمي إيديولوجياً إلى تنظيم القاعدة وإن انفصلت تنظيمياً، وأن الجولاني يحاول المواءمة بين متطلبات الأيديولوجية ومقتضيات الواقع. ويضيف الحاج: “معروف أن البراغماتية التي يتمتع بها الجولاني تمثل الخط العام للهيئة وهي تطوع الأيديولوجيا القاعدية مع الوقت وتزايد الضغوط الدولية”.

إدلب مطلب روسي

ويرى الحاج أن الهيئة مجرد ذريعة للروس، حيث أن الأسد وحلفاءه يريدون استعادة السيطرة على إدلب بوجودها أو عدمه، ويقول “هذا يشبه تماماً ما حصل في الغوطة، لكن وجود الهيئة يمنح الغطاء الدولي الذي تحتاجه روسيا”.

ورداً على سؤال حول ما إذا ما تم إقصاء الهيئة بطريقة ما، هل يستطيع الروس كبح جماح الإيرانيين ونظام الأسد؟، يجيب الحاج “روسيا ليست بصدد منع النظام ولا الإيرانيين ،لأن استعادة ادلب تصب في استراتيجيتها العسكرية والسياسية في سوريا”. ويضيف: “على العكس مما يبدو، روسيا هي من تقود الضغط على إدلب”.

ويختتم الحاج حديثه إلى “حرية برس” قائلاً: “في حال فشلت تركيا في منع الهجوم؛ للأسف ليس هنالك خيارات سوى خوض المعركة. والمعركة ستكون شرسة ولكنها واضحة الأهداف.. لن تكون معركة شاملة لكل إدلب”.

“تحرير الشام”.. دور وظيفي

من جهته ذهب رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم مصطفى سيجري للقول إنه “من الجيد معرفة أن ما يقوم به الجولاني يأتي في سياق المهام الوظيفية الموكلة إليه من الجهات المشغلة، وإحسان الظن به وبغيره أمثال المجرم الآخر (أبو بكر البغدادي) يعتبر إضاعة للوقت والجهد وبالتالي يصب في صالح أعداء الثورة السورية والشعب السوري العظيم، لذلك يقع على عاتق القوى الوطنية الثورية أن تتخذ خطوات حقيقية وجادة في إنهاء سيطرة تنظيم جبهة النصرة، ومنعه من إتمام دوره في إعادة تمكين الأسد ونظامه الإرهابي من المناطق المحررة”.

وحول إمكانية حسم مصير الهيئة عبر الحل العسكري يقول سيجري: “بالنسبة لنا قمنا بعدة خطوات من شأنها تفكيك هذا التنظيم من الداخل، ونعتقد أننا حققنا تقدماً مهما، إلا أن هناك كتلة صلبة داخل التنظيم تريد سحب الساحة كلها إلى معركة مع الروس والعالم كله بهدف تسريع عملية القضاء على القوى الثورية ولصالح نظام الأسد، أما تركيا فهي معنية بحماية المدنيين وتأمين المنطقة ومنع أي عمل عسكري من شأنه يهدد حياة 4 ملايين سوري، ويجعل الشمال السوري في كارثة إنسانية حقيقية، وبالتالي أكد الأشقاء في تركيا على ضرورة أن تقوم هيئة تحرير الشام بحل نفسها، وقطع الطريق على الإحتلال الروسي والعدو الإيراني”.

المليشيات الكردية تعزز هواجس الأتراك

ووفق ما أكدت مصادر خاصة “لحرية برس”، فإن مليشيات كردية أبرزها “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة” تخوض تدريبات استعداداً للمشاركة في عمل عسكري إلى جانب قوات الأسد ومليشياته، مرجحة أن وجهتها المحتملة غرب مدينة حلب، وهو ما أكده سيجري بدوره، وقال في هذا الصدد إن “مشاركة تلك المليشيات يزيد من تخوفات تركيا، لأن هذه الميليشيات تعتبر تهديداً كبيراً للأمن القومي التركي، وبالتالي فإن تركيا جادة في إفشال محاولات النظام المستمرة لفتح معركة باتجاه الشمال السوري”.

لا رهان على الأميركان

حذرت الولايات المتحدة الأميركية نظام الأسد من استخدام أسلحة كيماوية في الهجوم على محافظة إدلب، وهو ما رآه البعض إذناً للأسد وحلفائه باجتياح المحافظة.

ويقول سيجري إن “الدور الأمريكي ما زال سلبياً ويصب في صالح الإحتلال الروسي، وبعيداً عن التصريحات الأخيرة حول إمكانية توجيه ضربات عسكرية على مواقع النظام في حال قرر استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب، نعتبر هذه التصريحات بمثابة ضوء أخضر للبدء بعمل عسكري على إدلب، الشعب السوري لم يعد لديه أي ثقة بالإدارة الأمريكية ويعتبرها منفذة للطموحات الروسية” .

ويرى سيجري في ختام حديثه لـ”حرية برس” أن “ملف إدلب معقد بشكل كبير، وأن مستقبل إدلب سيكون له انعكاسات في غاية الأهمية بما يخص الوضع العام في سوريا، وأن الاحتلال الروسي يدرك خطورة بقاء إدلب بيد المعارضة السورية على نظام الأسد الإرهابي والمدعوم بشكل كامل منه، ويدرك أن المعركة لن تكون سهلة أبداً، هذه آخر قلاع المعارضة، والحفاظ عليها واجب الجميع”.

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل