الأمل والألم كلمتان قريبتان باللفظ بعيدتان في المعنى، ولا تزالان أكثر كلمتين يستخدمهما الشعب السوري في أحاديثه اليومية، فخلال سبعة أعوام من الثورة على حكم الأسد كانت الظروف تتغير حسب ما كتب لها من تقدم للثوار أو تراجع وكانت النفوس إما في تفاؤل أو تشاؤم.
والأمر الطبيعي أن من عايش هذه الفترة من تنوع الأحداث فقد جرّب كل أنواع المشاعر البشرية في أقصى حدودها حتى وصل به الحال إلى الوصول إلى قمة المشاعر المتنوعة من خوف وفرح و قهر إلا صنف واحد من الشعب السوري فقد بقي يعيش على جرعة واحدة من هذه المشاعر.
إنهم المعتقلون الذين ما إن دخلوا في سراديب هذا الطاغية حتى أصبح الأمل طعامهم اليومي ودواءهم للبقاء على قيد الحياة أطول فترة ممكنة بعد أن جرب عليهم عبيد الأسد شتى أنواع الألم، وإذا تساءلنا كيف لإنسان ضعيف يطبق عليه يومياً كل أنواع العذاب أن يبقى متماسكاً وقادراً على سحب أنفاسه وهو لا يملك إلا فكرة و لا يستطيع التفكير إلا بيوم خلاصه من هذا الكابوس؟ لوجدنا بأن هذه النافذة الصغيرة المسماة بالأمل والتي مهما كانت صغيرة إلا أنها تخفي وراءها طاقة عظيمة لا تنحصر فقط بصاحبها بل إنها وبشهادة الكثير من المعتقلين كانوا يستمدون قوتهم من أحد هؤلاء عندما يعود مبتسماً من وجبته اليومية في التعذيب. وحتى حين يملأ الصدأ قلوبهم يجدون ثغرة بسيطة تزيل هذا الصدأ، قد يفقد هذا السجين كل حواسه في تلك الغرف المظلمة ولكنه مادام لم يفقد الأمل فلن تسقط ورقته وسيبقى على اتصال مع عالمه الخارجي.
وإذا ما لاحظنا ممارسات وأساليب مجرمي نظام الأسد في التعذيب لرأينا أن هدفهم ليس قتل الجسد أولاً، بل يحاولون قتل ذلك الشيء الخفي الذي يفتقدونه ويدركون بأن كل السلطات التي يملكونها لا يمكنها قتل الأمل في أناس لم يألفوا العبودية على عكس زمرة العبيد الخاسرة والتي لم يرق فكرها للتحرر من زريبة سيدها، واعتادت لعق الحذاء لأنها تعتبر الحرية مرضاً عضال أشبه بالطاعون. فهؤلاء وصل بهم الحمق إلى مستويات متطورة جعلتهم لا يصدقون أن الإنسان قد يكون حراً بفكره.
إنه قدر هؤلاء الناس أن يكونوا خلف أبواب موصدة وفي غرف لا يصلها حتى ضوء الشمس ولكنه لعمل عظيم أن يتحولوا إلى شموع وأية شموع؟ إنها شموع الأمل التي لا تنطفئ.
عذراً التعليقات مغلقة