*بسام الرحال
بعد أن بات الخراب والدمار هو السمة السائدة في سوريا، وتمكنت الحرب من زعزعة استقرارها وإشعال النيران فيها، باتت تجارة الأسلحة هي التجارة الأكثر رواجاً بين صفوف الشباب في ظل غياب الرقابة وتردي الوضع الأمني، وبات مشهد المحال التجارية التي تبيع الأسلحة والعتاد العسكري أمراً عادياً، وأصبح الحصول على السلاح في تلك المناطق من الأمور السهلة لأي شخص كان، وأصبحت محلات بيع السلاح منتشرة في كل مكان مثلها مثل المحلات التجارية، لاسيما أنها تؤمن لزبائنها متطلبات الحرب، حيث أغلب الزبائن هم العناصر المقاتلين في صفوف الثوار والفصائل الإسلامية.
ومع اشتداد المعارك وتوسّعها في كل المناطق السورية، يتنافس عدد من الشبان في الترويج للأسلحة، حيث يتعامل معظم الشباب مع تجارة السلاح على أنها تجارة دائمة وليست مؤقتة مرتبطة بوقت الحرب، ويبقى الكلاشينكوف وذخائره والمسدسات الشخصية هي الأكثر عرضاً وطلباً في السوق بالنسبة للمدنيين والجنود العاديين.
“بدر” تاجر سلاح ولديه محل لبيع وصيانة الأسلحة الفردية في إحدى مناطق ريف حمص الشمالي يقول: ” لم استطع أن أكمل دراستي الجامعية بعد اندلاع الثورة، وفشلت في الالتحاق بعمل آخر مناسب ومع تزايد البطالة في المنطقة وتردي الوضع الاقتصادي، اتجهت الى تجارة الأسلحة مع بعض الأصدقاء وقمنا بإنشاء صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي لترويج البضائع وما نملك من سلاح “.
ويشير “بدر” إلى أن “أغلب الزبائن من عناصر وقادات الجيش الحر المنخرطون في إحدى الكتائب التي تقاتل النظام، فهم مهوسون بالأسلحة الشخصية والرشاشات المتوسطة والأسلحة الثقيلة مثل القناصات ومدافع الهاون ومدافع الآر بي جي ورشاشات 14/5 وغيرها، لكن يبقى المواطنون العاديون هم العملاء المفضلون لنا، حيث أنهم يشترون الأسلحة بنية الحماية الشخصية فقط وليس مقاتلة النظام على الجبهات، فنقوم بزيادة نسبة الربح على هؤلاء”.
ويعلل “بدر” حصوله على الأرباح من تجارة الأسلحة قائلاً: “أجد صعوبة في تأمين الأسلحة والذخائر، حيث تعرضت لعدة حوادث وكمائن كدت افقد فيها حياتي وأنا أقوم بإدخال الأسلحة الى المنطقة، هذا ما اضطرني الى وضع بعض المرابح البسيطة للاستمرار في عملي الذي لا يقل شأناً عن ذاك المقاتل المرابط على الجبهة “، كما يقول .
وفي ظل القلق الأمني باتت الحاجة ملحّة للمدنيين الذين لم ينخرطوا في الحرب لامتلاك سلاح شخصي لمواجهة المخاطر التي ربما تواجههم، واتقاء لهجمات المسلحين واللصوص، مما شكل دافعاً لنمو ظاهرة تفشي إطلاق النار عند أي مشاجرة أو في المناسبات والأعراس أو تشييع احد الشهداء، والتي أدت الى عدة إصابات قتل فيها أشخاص بريئون.
ومع تنامي سوق الأسلحة في معظم المناطق السورية ازدهرت متاجر الأسلحة على عكس متاجر الأغذية التي تعاني جراء الحصار، ويوميا تباع العشرات من قطع السلاح الخفيفة والمتوسطة بدون قيود تضمن وصول السلاح إلى الجهة الصحيحة، لتظهر هنا ضرورة وجود ضوابط ما على هذه التجارة النامية في ظل الحرب.
“أبو وائل” رجل مسن يتجاوز عمره 55 عام وهو ضابط متقاعد من مدينة الحولة، يرجع سبب انتشار الأسلحة بين المدنيين إلى العشوائية في تجارة الأسلحة، قائلا : “انتشار السلاح بهذه الطريقة بين المدنيين، وانخراط الشباب في تجارة السلاح ينقصها الخبرة، حيث أن معظمهم صغير في السن وهدفهم الربح فقط دون الالتفات إلى من يشتري السلاح وماذا سيفعل به أو هل ينتمي إلى فصيل من الجيش الحر أم لا، هذا ما يغرق المجتمع بالأسلحة العشوائية، والتي أدت بدورها إلى تزايد حالات القتل الخطأ بشكل ملحوظ”.
ويضيف “أبو وائل” قائلا: “تجارة السلاح مربحة، مما يغري الكثير من الشباب العمل بها، لكن عدم وجود ضوابط وقوانين خاصة بهذه التجارة يجعل الأمر خطيراًَ للغاية على المجتمع ككل، ويؤدي إلى فوضى عارمة بانتشار السلاح وخاصة بين الصغار والمراهقين، ويجب على المحاكم الشرعية واللجان الأمنية التي تدير المنطقة، إصدار قوانين بخصوص بيع الأسلحة كترخيص مزاولة مهنة للتاجر، وأن لا يباع السلاح لعامة الناس إلا برخصة مختومة منها “.
ويقول “أبو عامر” وهو تاجر أسلحة في إحدى قرى مدينة إدلب إن الطلب على الأسلحة الفردية شهد انخفاضاً كبيراً بعد سيطرة فصائل جيش الفتح على مناطق واسعة من ريف إدلب والمدينة بشكل كامل.
أبو عامر ضابط انشق عن جيش الأسد في بدايات العام 2012 وقاتل في صفوف الجيش الحر قبل أن يتعرض لإصابة تسببت له بشلل نصفي اضطرته للبحث عن عمل جديد يخدم فيه الثورة “حسب قوله”.
يقول أبو عامر: “كنت أريد القيام بأي عمل يساعد الثوار، ولأنني أمتلك خبرة عسكرية جيدة في الأسلحة بدأت بإصلاح الأسلحة لعناصر الجيش الحر، ومن ثم بدأت العمل بشراء الأسلحة التالفة وإصلاحها وإعادة بيعها للثوار”.
ويشرح أبو عامر نوعية الأسلحة التي تشهد طلباً كبيراً: “كل شيء مطلوب، الستر الواقية من الرصاص، والمسدسات والأسلحة الرشاشة، وخاصة الكلاشينكوف، ومناظير التسديد للقناصات، والأقنعة الواقية من الغازات، وكل شيء”.
ويحدثنا معاذ الحمد من ريف حماة الشمالي عن مخاطر هذه المهنة التي وجد نفسه يعمل بها بعد أن كانت مهمته تقتصر بداية على نقل الأسلحة والذخائر للثوار: “كنت أتطوع لنقل الأسلحة والذخائر للثوار من ريف إدلب إلى مناطق ريف حماه، وتعرضت للإصابة مرتين برصاص قوات الأسد وشبيحته في القرى الموالية، ولم أكن أتقاضى أجراً من الثوار، وأكتفي بشراء أسلحة فردية خفيفة وبيعها لمن يحتاجها من المدنيين لحماية نفسه من شبيحة القرى الموالية الذين كانوا يهاجمون بلداتنا كثيراً في بدايات الثورة وقبل تحرير مناطقنا”.
معاذ الذي كان موظفاً في إحدى الإدارات الحكومية تحول الآن إلى بيع الكثير من أنواع الأسلحة الفردية وبعض أنواع الأسلحة الثقيلة مثل مدافع الهاون في منزله في ريف حماة، ويقول إنه لا يربح الكثير من المال: “أحاول تأمين قوت عائلتي بربح بسيط، أعرف أن تجارة الأسلحة ليست مستحبة في مجتمعنا، لكنها ضرورة حالياً بسبب واقع الحرب التي نعيشها”.
وفي جوابه عن سؤالنا إن كان يظن أن هذه الأسلحة ستتسبب في مشاكل أمنية بعد انتهاء الثورة المسلحة والتحول إلى نظام جديد يقول معاذ: “نعم، أعتقد أن الأسلحة التي انتشرت بكثرة بين المدنيين والثوار ستكون عائقاً أمام استقرار الأوضاع الأمنية لاحقاً، لكن هي الآن ضرورة، وعلينا أن نتفهم حاجة الناس لها في هذه المرحلة”.
Sorry Comments are closed