في ظروف أقل ما يمكن وصفها بالقاسية والصعبة مر عيد الأضحى المبارك على المكلومين من المهجرين الذين تم جمعهم ولملمة أشياءهم كما أحلامهم وأمانيهم في بقعة شمالية أريد لها من “حكام العالم الحر” وأدواتهم أن تكون معسكراً واسعاً ومفتوحاً لعموم الحالمين والثائرين، واخضاعهم لدورات تأديبية ثأرية هذا إن أحسنا الظن إن لم يكن الأمر أكثر حقداً ومأساوية مما نتوقع ومما يظن الكثيرون، فتتحول هذه البقعة إلى حقل مفتوح بغرض الإفناء الإيجابي بمعناه العام لا المجازي فيتم سحق فكر أراد أن يختلف مع قواعد الزمان والمكان و إرادة حرة تاقت للعزوف والتمرد عن نظريات العالم الظالمة في الحكم والإدارة و تدجين الشعوب.
أنى للمهجّر أن يسر ويبتهج في واقع ظالم وفاسد استثناه من كل فرحة أو مكرمة أو حتى مظلمة عادلة تعطيه حقه الطبيعي في العيش الكريم وتكافؤ الفرص الوظيفية والمهنية والإنسانية، والحصول ولو على أقل المقومات التي تمكنه من الصمود الإنساني والمعيشي.
واهم من يعتقد أن الظروف القاسية و المضنية التي يعاني منها المهجرون في الشمال هي ظروف طبيعية ومنطقية من حيث المقدمات والنتائج ونتيجة حتمية لسوء الادارة المدنية للجهات المعارضة التي تسيطر في هذه الزاوية أوتلك و إن لم تكن تلك الجهات بريئة تماماً من المسؤولية عن هذا الواقع، بل أن كل هذه المصاعب والعنف الأخلاقي والإنساني هو نتيجة لإرادة جامعة واتحاد أشبه ما يكون بالعهد والميثاق المقدس بين دول كثيرة توافقت فيما بينها من فوق الطاولة ومن تحتها على إفشال أي مشروع مخالف للتوازنات التي أرادتها تلك الدول، ورأت أنه يهدد رغباتها في سيطرة مطلقة على أي قرارات سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية مغايرة لتوجهاتها.
ومن هنا نفهم لماذا الحضيض والفوضى والألم هي السمات الغالبة التي تلتصق بالمحرر وسكانه ومؤسساته، فالمهجرين وهم الأكثرية في الشمال السوري ومن مختلف المدن والمناطق هم الحلقة الأضعف لافتقادهم للدار والحقل والمهنة والوظيفة التي تكاد تكون حكراً على سكان الشمال ممن انتسبوا إليه بالمولد في شكل من أشكال العنصرية والمناطقية الذميمة.
فحال المهجرين المزري من حيث السكن والعمل والوظيفة وسوء المعاملة سبب لهم مشكلة إضافية بعد مشكلة البعد والغربة عن أرضهم ومدنهم وقراهم، يعجز الإنسان ومهما كانت ملكاته عن إدراك صحيح وعميق لطبيعة الحل الذي من الممكن أن يرتقي بالشمال عموماً والمهجرين خصوصاً بعد الكم الكبير والهائل من الصعوبات التي تقف سداً أمام تطوره وحسن إدارته.
بعد توافق دولي ظالم لا لشيء بل فقط لإثبات العجز عن إدارة المناطق المحررة، ولفت نظر قسري مدروس لعموم السكان أصليين ومهجرين إلى أن الحال لن تختلف ولن تتوفر البيئة الآمنة للعيش حتى الخضوع العام والجمعي والعودة إلى القمقم والحظيرة التي يرضى عنها ما يسمى زوراً وبهتانا بالعالم الحر، ففي حضرة القوة والنفوذ وجبروت الطغاة وسيادة الظلم يتم العمل على تحويل الأحرار والأباة إلى عبيد وسدنة لمشاريع الآخرين ومصالحهم.
Sorry Comments are closed