إدلب بين لهيب الحرب وإشكاليات الحل السياسي

جمعة الحمود21 أغسطس 2018آخر تحديث :
إدلب بين لهيب الحرب وإشكاليات الحل السياسي

ما بين تصعيد النظام في إدلب، والحرب الاقتصادية على الدول الضامنة (روسيا، تركيا، وإيران) التي بدأتها الولايات المتحدة الأميركية، عوامل مشتركة تبين أن الحرب المتوقعة في الشمال السوري ستدخل منعطفاً جديداً، استمرار الصراع الاقليمي والدولي وتمسك كل طرف من الدول المنخرطة في النزاع السوري (روسيا، أمريكا، تركيا، إيران) بمشاريعه الخاصة التي تحقق مصالحه، تجعل الحل بعيداً في سوريا ولن يستطيع أحد منهم السيطرة على البلاد دون قوة عسكرية كبيرة لا يريد أي طرف المغامرة بإرسالها في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن حل غير عسكري في محافظة إدلب.

ومع تكتل فصائل المعارضة برعاية تركية في فصيل واحد باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، بدأت حالة من الترقب لما سيؤول إليه مصير إدلب بعد رفض “هيئة تحرير الشام” لما يسمى مبادرة “الورقة البيضاء” التي تقدمت بها تركيا للجانب الروسي مطلع الشهر الجاري والتي تتضمن “حل جميع الفصائل وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للضامن التركي تمهيدا لتوحيد عناصر الفصائل تحت مسمى -الجيش الوطني- برعاية وإشراف تركيا”.

الخيارات التركية في إدلب ضاقت بعد رفض “هيئة تحرير الشام” حل نفسها، ومهلة الشهر الواحد التي أعطتها موسكو للجانب التركي، وباتت محددة بأمرين لا ثالث لهما:

الأول: قبول الطرح الروسي المتمثل بدخول المنطقة عسكرياً، على غرار سيناريو الجنوب السوري وهذا ما تحاول تركيا تجنبه من خلال تفاهم مع روسيا يسهّل السيطرة على إدلب من دون خسائر كبرى تطال المدنيين، ولا يقلل من هيبتها العسكرية عند حلفائها في الشمال السوري بحكم تواجد قواتها على الأرض كأحد الأطراف الضامنين في منطقة إدلب التي تعتبر آخر مناطق “خفض التصعيد” حسب اتفاق مؤتمر أستانة، بعد سيطرة النظام على بقية المناطق بفضل الدعم الروسي والايراني.

الثاني: دخول تركيا بمشاركة فصائل الجيش السوري الحر، في مواجهة عسكرية في إدلب وإنهاء “هيئة تحرير الشام” عسكريا.

يدور الآن صراع كبير داخل “هيئة تحرير الشام” بين القبول بمضمون الحل التركي والدخول في مكوّنات الفصائل الأخرى لتجنيب إدلب مواجهة طاحنة، وبين الرفض والدخول في مرحلة صراع خطرة غير محسوبة النتائج، فهل يكون هناك حركة تحوّل جديدة في مسيرة الهيئة وفقاً للمتغيرات التي طرأت على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية “دولياً وإقليمياً وداخلياً” من ناحية الشأن السوري، وهل ستخطو باتجاه حل “ليّن” للهيئة بشكل فعلي، من خلال اندماج عناصرها ضمن الفصائل الأخرى وبروز مكوّن جديد، يكون الجميع جزءاً منه؟

الموقف التركي الداعم للاستقرار في إدلب، والضغوط الروسية الكبيرة التي تحاول تركيا مواجهتها، والدفع باتجاه تحقيق الهدوء والأمان في المنطقة لملايين المدنيين والمساهمة في إعادة الحياة للمنطقة، من المفترض ان يدعمه الجميع، من خلال عدم جرّ المنطقة لأية مواجهة.

إن إمكانية لجوء تركيا إلى إنهاء “هيئة تحرير الشام” بمساندة فصائل الجيش الحر في حال رفضها ” الحل الطوعي ” لتجنيب المنطقة ما هو أسوأ (دخول النظام وروسيا) أمر وارد، وسيخلق إذا ما تم مواجهة حتمية مع تركيا التي تنتشر نقاطها في معظم ريف المحافظة.

الترتيبات النهائية للوضع في إدلب وتنفيذ أحد الخيارين (هجوم الروس والنظام على إدلب) أو (التدخل التركي بمشاركة فصائل الجيش الحر ضد هيئة الشام) تقترب من نهايتها، والحشود العسكرية المتواصلة والتحضيرات الميدانية تسابق الجهود الدبلوماسية التي تنشط في موسكو وأنقرة من أجل اتفاق حول آليات تسوية الوضع في إدلب، نظراً لوجود انقسامات واسعة في صفوف الفصائل حول دور “هيئة تحرير الشام” وآليات التعامل معها.

الخيارات أمام الهيئة في إدلب والشمال السوري عموماً باتت محدودة مع ازدياد الضغوط الدولية والاقليمية والداخلية لحل نفسها، وإنقاذ ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، عبر تجنيب مدينة إدلب المواجهة مع النظام وروسيا، لسحب الحجة والذريعة من أيديهم، فروسيا والنظام وحتى المجتمع الدولي يتخذون من وجود “هيئة تحرير الشام” كفصيل مصنف ارهابياً حجة للتدخل في جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والسيطرة عليها، وهذا ما حصل فعلياً إبان الحملات العسكرية على حلب الشرقية والغوطة ودرعا.

الجهد الذي تقوم به تركيا لتوحيد صفوف المعارضة في إطار “جيش واحد” يصب في الاتجاه الذي تسعى إليه موسكو، لجهة توحيد الجهد لخوض معركة لإبعاد مسلحي “جبهة النصرة” عن المواقع المهمة، ويرى محللون في روسيا وتركيا أن الدولتين سوف تنجحان في القضاء على نفوذ “الإرهابيين” في إدلب من خلال تعاونهما المشترك، أما بالنسبة للجيش السوري الحر فهناك فصائل في صفوفه لا تعارض التقارب مع النظام وروسيا، ويرجح حصول تفاهم بين النظام والمعارضة في إدلب وعموم مناطق الشمال السوري وهناك بالتالي حاجة لوساطة تركية وتكثيف التنسيق مع روسيا في هذا الأمر، فموسكو وأنقرة لايمكن أن تسمحا لنفسيهما بالدخول في تناقضات خطيرة، وإلا فإن صيغة أستانا ستفشل وهي مهمة للدول الضامنة كبديل عن عملية جنيف بالنسبة لتلك الدول، خاصة أن العلاقات التركية الروسية تجاوزت المسألة السورية بأشواط، وهي تتقدم بخطوات ثابتة حتى الآن في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة والتعاون العسكري والاستخباراتي، تقدم وتعاون متنوع يعزز قوة روسيا في مواجهة حلف “الناتو” وأميركا والاتحاد الأوروبي، إلى درجة أن بوتين لن يسمح لمشكلة إدلب أن تفسد تلك العلاقات مع أنقرة -العضو الفعال في الناتو- من خلال العمل على إيجاد صيغة محكمة، تجعل من الإشكاليات السياسية والداخلية المتعلقة بـ ” هيئة الشام ” تنتهي إلى الأبد، لكن ليس بطريقة الهجوم على إدلب.

وتجدر الاشارة هنا إلى توتر العلاقات التركية الأميركية بسبب عقوبات واشنطن الاقتصادية مؤخراً التي طالت تركيا، على خلفية اعتقال القس الأميريكي “أندرو برنسون ” من قِبل أنقرة، بتهمة العلاقة مع حزب العمال الكردستاني وفتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب على سلطة أردوغان صيف 2016 وطالبت تركيا بتسليمه إليها، ففي الملف السوري يتباين الموقفان، خاصة في دعم الولايات المتحدة الأميريكية للأكراد السوريين الانفصاليين ومن ثم معارضة أنقرة لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران والعقوبات الأميريكية المفروضة عليها، فتركيا تستورد نصف احتياجاتها النفطية من إيران.

تخشى تركيا أيضاً من تفاعلات قمة “هلنسكي” التي جمعت ترامب وبوتين في حزيران عام 2018، وما يمكن أن ينتج عنها من تفاهمات لا تأخذ مصالح تركيا بعين الاعتبار، يضاف إلى ذلك الحديث عن مشاركة ميليشيات الحماية الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني تحت عباءة النظام في الهجوم على إدلب، وهذا يعتبر أحد أهم الهواجس التركية.

هذا المشهد المتشابك للواقع الدولي والإقليمي والداخلي في الشمال السوري، يؤكد أن أي عملية عسكرية في المنطقة غير مدروسة ومتفق عليها من جميع الأطراف، ستجعل الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، ومن هنا بدأ الحديث عن تنسيق (روسي، تركي) لمعركة غير مكلفة بإدلب، في حال استمرت ” هيئة تحرير الشام ” برفض حل نفسها طوعياً.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل