نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرا عن وضع زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “أبو بكر البغدادي”، والوضع الذي يعيشه راهنا، من رواية لأحد المقربين منه.
واعتمد التقرير، على رواية الرجل الذي كان مقربا من البغدادي، وتم اعتقاله لاحقا، ويقبع حاليا في أحد السجون العراقية، وتحدث عن آخر لقاء جمعه بالبغدادي.
وقال الرجل إن لقاءه مع البغدادي تم في مكان سري في أرض مقفرة من الصحراء السورية، وإن البغدادي أصبح هزيلا وابيضت لحيته.
ودخل البغدادي القاعة ذات النوافذ الطوبية في أيار/ مايو 2017، وكان ظل نفسه. ورفع زعيم تنظيم الدولة يده وحيا رجاله، ومن بينهم الرجل صاحب الرواية الذي التقته الصحيفة، واسمه إسماعيل الحيتاوي.
ويتذكر الحيتاوي لقاءه مع زعيم التنظيم الذي حكم أجزاء كبيرة من العراق وسوريا. وتقدم روايته صورة عن الدائرة المغلقة المحيطة بالبغدادي، والتوتر في داخلها، وسط تداعي الخلافة وخسارتها كل مناطقها باستثناء بعض الجيوب الصغيرة. ومع أنه لا يمكن التأكد من صحة المعلومات التي قدمها السجين، إلا أن مسؤولا عراقيا قال إن ما تحدث به يتطابق مع ما توفر من معلومات عن الخليفة الهارب.
وحدث اللقاء في وقت كانت فيه الخلافة خسرت معظم مناطقها، واقتربت معركة الموصل من نهايتها. وجلس البغدادي في البداية بزاوية من القاعة يتحدث بصوت منخفض مع مسؤولين في لجنة الوفود، وهي عبارة عن وزارة للدولة، حيث قدم له مسؤولان تقارير عن مسار العمليات، عندها ارتفع صوته، وتملكه الغضب، وبدأ يصرخ متهما القادة بالعجز. وتم فصل الرجلين من اللجنة بعد اللقاء. وكان الحيتاوي في اللقاء لمناقشة موضوع المقرر التعليمي مع القيادة، حيث دُهش للحالة الصحية التي كان عليها البغدادي.
وقال: “كان نحيفا جدا ولحيته بيضاء”. وعادة لا يُدعى للقاءات السرية سوى الشخصيات الموثوقة، حيث تُصادر منهم الأقلام والهواتف والخواتم، وأي شيء يمكن إخفاؤه من أجهزة يمكن للأجهزة الأمنية من خلالها متابعة تحركات قيادة التنظيم.
وقضت الوفود المدعوة يومين في رحلة للوصول إلى مقر الاجتماع خارج بلدة الميادين السورية. وتم القبض على الحيتاوي بعد أشهر من خلال عملية أمنية مشتركة أمريكية، تركية وعراقية. وهو أبرز مسؤول في التنظيم يُلقى القبض عليه حيا. وقال المتحدث باسم التحالف العقيد شون رايان: “من دون شك كان صيدا ثمينا لكل التحالف والجهود لتدمير تنظيم الدولة”.
وقدم الحيتاوي أول رؤية مفصلة عن زعيم التنظيم منذ ظهوره الأول والأخير في مسجد الموصل في حزيران/ يونيو 2014، حين حث المسلمين من كل أنحاء العالم لدعم مشروع الخلافة. وبعد أربع سنوات خسر التنظيم كل المناطق التي سيطر عليها تقريبا، وقتل معظم قادته، بمن فيهم الذين حضروا الاجتماع السري الذي حضره العيثاوي. وظل البغدادي بعيدا عن الأنظار، ولم يُسمع إلا من خلال شريط مسجل في أيلول/ سبتمبر 2017، حين حث أتباعه على قتال الغرب في العراق وسوريا.
وتتردد الأجهزة الأمنية في التعليق على مكان وجود البغدادي؛ حتى لا تتأثر جهود إلقاء القبض عليه، ولكن هناك بعض التقارير عن تحركه قرب الباجي، في شمال غرب العراق، وفي البلدات على طول وادي الفرات قرب الحدود السورية.
وتكشف شهادة الحيتاوي عن اللقاء الذي تم قبل 15 شهرا وجود خلاف بين البراغماتيين و”الطهوريين” داخل التنظيم. ولم يختف الغضب عن محيا البغدادي طوال اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات. وعندما جاء الدور على الحيتاوي لتقديم مقترحه التعليمي، اعتبر بمثابة “أكاديمية”، وتم رفضه. وبعد ذلك انتقل الحديث حول السماح لعائلات المقاتلين بإجلاء عائلاتهم من المعاقل الأخيرة للتنظيم. وكان العيثاوي من ضمن الذين دعموا فكرة الإجلاء لتجنب الخسائر غير الضرورية. ودعم الآخرون بقاءها، حيث احتد النقاش، وصرخ أحد المشاركين قائلا: “أشم رائحة خيانة”.
وعلى ما يبدو فقد كان البغدادي ميالا للتنازل، لكنه قال إنه لا مخرج من دولة الخلافة. وأصبح الموضوع مثار انقسام عندما اقتربت قوات التحالف من معاقل التنظيم الأخيرة، حسب صدام الجمال، القيادي البارز في التنظيم الذي اعتقل في بداية العام. وقال في لقاء منفصل إن المقاتلين الأجانب احتجوا عندما شاهدوا المقاتلين العراقيين يهرّبون عائلاتهم، وذلك في المرحلة الأخيرة من معركة الموصل. ولم يكن أمام الأجانب إلا القتال حتى اللحظة الأخيرة، خاصة أنه لم يكن بإمكانهم التخفي بين المحليين.
وأصبح البغدادي قليل الثقة بالمقاتلين العراقيين، حسب مسؤول أمني عراقي. وقال الحيتاوي البالغ من العمر 47 عاما، ويحمل دكتوراه في الفقه الإسلامي، ودرّس في معهد الرقة إلى جانب مفتي التنظيم تركي البنعلي: “كنت قريبا من القرار، ولم أكن جزءا منه”. وحضر البنعلي اللقاء، وقتل لاحقا في غارة جوية للتحالف.
وكان البغدادي أول من غادر اللقاء، إلا أن مخبري التنظيم اعتقلوا الحيتاوي لموقفه من عائلات المقاتلين، وتم الإفراج عنه بعد أسبوع. وقرر الرحيل إلى تركيا مع زوجته وابنته، على أمل ترك التنظيم وراء ظهره، لكنه اعتقل بعد دخوله الأراضي التركية وتم ترحيله إلى العراق.
عذراً التعليقات مغلقة