وجد المساعد عمال الدهانات ينتظرونه أمام باب مكتبه؛ قالوا له: يا سيدي انتهينا من دهان كل الفرع ولم يبق إلا باب مكتبك.
– رد المساعد: “طيب باشروا دهان وخلصونا”.
– قالوا له: يا سيدي، لكن هناك صورة “لسيادة الرئيس” على الباب.
– رد المساعد: “ما مشكلة، ارفعوها وبعد الدهان أعيدوا لصقها ثانية”.
– قال العمال: لا نستطيع سيدي، نرجو منك أن ترفعها أنت.
يقول المساعد فكرت قليلاً، وقد تسللت الوساوس والمخاوف إلى داخلي، و أول مرة أخاف من النظام، وأنا منذ وعيت على الدنيا إبن هذا النظام، وبعدها ذهبت على الفور إلى رئيس الفرع، وأخبرته بالقصة، وكنت أظن أن الأمر سيكون بسيطاً وتافهاً أمام رئيس الفرع، لكنني صدمت حين قال لي رئيس الفرع: لا أستطيع أن أتخذ هكذا قرار وأتحمل مسؤوليته، دعنا نخاطب القيادة، وعلى الفور قام رئيس الفرع بإرسال “فاكس” مستعجل إلى قيادة المخابرات العامة بدمشق.
يقول المساعد وبعد انتظار دام لأسبوع تقريباً جاء الرد أن لا مانع من إزالة “صورة الرب” بهدوء ودون تمزيق وإعادتها إلى ما كانت عليه بعد الانتهاء من الدهان.
تعامل نظام الأسد مع المقبور حافظ ومن بعده مع المجرم بشار، بقدسية الآلهة، فأي إساءة بكلمة أو بإيحاء، يمكن أن تدفع ثمنها حياتك.
ولم يكن يتجرأ أي سوري أن يضع الطعام على جريدة، أو يلف أي بائع فلافل “سندويشته”، وفي الجريدة “صورة للرب الأسدي”.
وبالمقابل وعلى قدر القدسية التي كان يتعامل فيها نظام الأسد وزبانيته مع آل الأسد، كانوا يتعاملون بإهانة منقطعة النظير مع الذات الإلهية، فكانوا يسبحون بحمد آل الأسد صباحاً ومساء، وبالمقابل لا يتوانون عن سب وشتم الذات الإلهية بأقذر العبارات في كل وقت وحين، وقد كانوا يتفنون باختراع مصطلحات وتعابير لسب وشتم ولعن الذات الإلهية.
ومع بداية الثورة لا ننسى كم من سوري قتله المجرمون لأنه رفض قول “لا إله إلا بشار” ، ولا ننسى عندما كتبوا “قل هو الله أسد..” ولا ننسى عندما قالوا “يسقط ربك ولا يسقط بشار”…
ولو رجعنا للماضي وللحاضر معاً، لما وجدنا في تاريخ البشرية ديانة إلا و تقدس الذات الإلهية أيما تقديس، سواء في الديانات السماوية أو غير السماوية، والحقيقية أن معظم الديانات البشرية، إذا لم نقل كلها، تؤمن بوجود الله، وتقدس هذا الإله العظيم، والاختلاف بين الديانات يتمثل حول كينونة هذا الإله، فعلى سبيل المثال كان مشركو قريش يعتقدون أن عبادة الاصنام تقربهم إلى الله زلفى.
باستثاء العقيدة الأسدية، فهي العقيدة الوحيدة في تاريخ البشرية، والتي تحاول أن تحقر وتهين الذات الإلهية وبشكل معلن. “أستغفر الله العظيم” جل في علاه، وحاشى لله أن تطال عظمته وجلاله قاذورات هذه المخلوقات السفيهة.
كنا نسمع سب وشتم الله بأسماعنا وكنا نجامل ونضحك وكأن شيئاً لم يكن، والحقيقة المؤلمة أننا استهنا بالله كثيراً، فاستهان الله بنا.
واليوم بعد كل ذلك، وبعد نصف مليون شهيد، ونصف مليون معتقل، ونصف مليون معاق، ومليوني منزل مدمر، ولا يزال الساقطون يتساقطون في حضن هذا النظام الفاجر الكافر البعيد كل البعد عن الإنسانية.
لكن ثقتنا بالله لا تتزحزح أن هذا النظام وكل ما يحمل من قاذورات سيرحل بدون رجعة بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
عذراً التعليقات مغلقة