الأم مدرسة وأشياء أخرى..

محمد هنداوي19 أغسطس 2018آخر تحديث :
محمد هنداوي

وأخيراً تحقق حلمي برؤية ما يوجد داخل سيارة التويوتا وكيف هو فرشها من كراسي جميلة تشبه “دكة” الاسطبل، لكن هذا الحلم تحقق في ظرف تعيس وهو الاعتقال.

كان عناصر الأمن يلقوننا داخل السيارة كأكياس الطحين المنهكة من أكتاف “العتالين” في طريقها نحو بيت النار في الفرن، وكان “الكفّ” يتسلل من نافذة السيارة ليرسم لوحة فسيفسائية على وجوهنا، في الأثناء دخل إلى الحلبة في “طابون” السيارة شاب عشريني نحيل البنية وجهه وجه ذئب، كان مرصعاً بالوشوم بأسماء من أحب وحكم عطائية، لكن على طريقة جماعة “الكاس”.

كان يصيح أنا من جماعة سيادة المساعد، أنا لست متظاهراً، كان الرد “عليك وعلى المساعد” كنا نلتزم الأدب كي يخف عنا عذاب قبر “التويوتا”، على الفور كل من في السيارة من معتقلين وأنا أحدهم، فهمنا أن الضيف الجديد، ما هو إلا مخبر للأمن، لكن تم إلقاء القبض عليه بالخطأ، تشابه “كائنات” هكذا هو الحال في كوكب زمردة.

قمنا ودون ترتيب مسبق بإثارة الفوضى، الأمر الذي استدعى من ملائكة الرحمة المتواجدة حولنا، زيادة كمية جرعات التأديب، الهدف من الضوضاء التي أثرناها هو أن يبقى معنا المخبر أكثر وقت ممكن، ليعيش أحد وشومه التي على جسده “ومن الحب ما قتل”.

استمر الدعس والضرب مع جلسات إرشاد نفسي ونصح عقائدي على مبدأ “خلي العرعور ينفعكم”، اللافت أنني أشك حتى اللحظة أن لي حساب عند “العرعور” فلن أسامحه فيه إن كان قد أعطى رفاقي حصتهم من الدولارات وأنا لا.

المهم وصلنا بعد 5 ساعات من جلسات المساج الإنكليزي، إلى مثوانا في فرع الأمن الجنائي، كان “الداسوس” قد أنهك من فرط الحب، واستسلم للأمر الواقع وألقى السمع مثلنا على نصائح عناصر الأمن المؤثرة، ردنا الوحيد عليها هو هز رؤوسنا بالإيجاب تارة وبالندم تارة أخرى، واكتشفت لحظتها أنني أمتلك حسّاً تمثيلياً عالياً.

وكما يقول الثرثارون عادة “بلا طول سيرة”، نزلنا إلى القبو المكيّف، كانت زنزانتنا مرفهة بسبب وجود شخص “ميسور” الحال متهم ظلماً بحسب قوله بتجارة الحشيش، لكن قلبه الحنون دفعه لتقديم سجائر المالبورو لنا، رحت أنفخ دخان السيجارة وكأنني رياض الترك أو صلاح جديد، حاولت أن أشعر بما كنت أقرأه عن المعتقلين السياسيين لكن عبثاً كانت المحاولة، الشعور الوحيد بعد الألم كان دفء الدموع على الخدود… نعم بكيت ليس ضعفاً إنما كان “سباب” العناصر أقسى عليّ من أخمص السلاح.

ازداد عطف تاجر الحشيش “المتهم” علينا حيث وصفنا بأننا “شلافين” وهو جمع لصغار الديوك، وهو مرحلة يمر فيها “الحيوان البريء” ما بين كونه صوص والدّيكنة، فقام بالبوح لنا بأنه يملك هاتفاً داخل سجنه… رشاويه لا تتوقف وعطاياه للسجانين لا تنقطع، فهو الوحيد في الفرع الذي كان متهماً حتى تثبت براءته.

أخذنا الهاتف كل على حدا وأبلغنا أهالينا أننا بخير، حتى جاء دور “الداسوس”، وكانت المكالمة التالية:

– الداسوس: مرحبا ماما (تعجبنا جميعاً من أين له أن يقول كلمة ماما، لكن فسرناها أنها لحظة ضعف انساني لا أكثر).

تابع الداسوس: إي ماما أنا بالجنائية… لك لأ والله ما ضربت السمان… لك إي عطيتو حق باكيت الدخان تبعك وما ضربتو… مسكوني مع “المخربين”.

سألها سؤالاً جعلنا ننظر إلى السماء: “يعني ما بتعشى… طيب مع السلامة”. 

كنت سأتشاجر معه في عدة مناسبات إلا أن أصحابنا الطيبين في السجن كانوا يمنعونه عني، لأني أعلم جيداً أني سآكل “قتل و فرق”…لكن يد الله منعتني من الوصول إليه.

نصف ساعة فقط أتى السجان ونادى “ع س” طلاع… نظرت بحسرة إلى الحشاش وقلت له “يا هيك الأمهات يا بلا”، ضحك الحشاش وضحكت أنا وخرج الداسوس بواسطة “الماما”.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل