المعتقلون ليسوا شعاراً

زكي الدروبي17 أغسطس 2018آخر تحديث :
المعتقلون ليسوا شعاراً

لازال نظام الأسد يفرج عن أسماء ضحايا جلادي سجونه، بالتزامن مع التهديدات التي يطلقها باتجاه ما تبقى من مناطق خارجة عن هيمنته المباشرة، ولازلنا في مواقع ردة الفعل، وإطلاق التصريحات العنترية ورفع شعارات لا يمكن تحقيقها في ظل هكذا ظروف وأدوات مستخدمة.

أجد أنه من المفيد التذكير مرة أخرى أن ضحايا التعذيب في سجون نظام الأسد في غالبيتهم من ثوار المرحلة الأولى من مراحل الثورة السورية، مرحلة سلمية الثورة وشعاراتها الوطنية التي هددت نظام الأسد والرعاة الأساسيين له، وكادت أن تشكل تهديداً كبيراً لمصالح الإمبريالية والشركات العابرة للقارات التي تتحكم بقرارات الحكومات الغربية. بل لنقل كادت الثورة السورية أن تصنع تحولاً كبيراً في التاريخ والمنطقة، لكن صمت الدول العالمية باستثناءات تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع وقيام نظام الأسد بحملة كبيرة لتصفية قادة ونشطاء التنسيقيات الأوائل ذوي الفكر الوطني الديمقراطي سواء عبر القتل أو الاعتقال أو التهجير وكل من شارك في التظاهرات أو يشتبه في أنه شارك بها، وأطلق من سجونه كل أفاق مجرم وكل متطرف إرهابي وسهل لهم الحصول على المال والسلاح وغض النظر عن تحركاتهم، ودفع مأجوريه لاختراق التنظيمات التي شكلوها وكذلك فعلت كل استخبارات الدول المختلفة، وكان الهدف الرئيسي هو ضرب الثورة السورية.

طبعا من المفيد أيضا التذكير بدور من تصدر المشهد السياسي من مجلس وطني ثم ائتلاف، وكيف أيدوا ودافعوا عن تلك القوى المتطرفة المأجورة.

لقد ناضل المعتقلون من أجل سوريا حرة مدنية ديمقراطية، ولأجل الانتهاء من نظام الاستبداد والانتقال لنظام ديمقراطي، وقد اعتقدوا أن حكومات العالم الحر ستقف مع مطالبهم، ولم يخطر ببالهم أنها حكومات متآمرة عليهم تكيل بمكيالين، تطور شعوبها وتطبق الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادها لكنها تمنعها عنا، فوقعوا ضحية عدة جهات، فمن جهة نظام قاتل مجرم لا يتورع عن فعل أي شيء في سبيل هيمنته على السوريين، ومن جهة ثانية دول متآمرة غضت النظر عن ممارسات النظام وسمحت له بالوقت الكافي كي يقتل ويعتقل ويهجر كوادر الثورة الحقيقية، ويستبدلهم بعملاء متطرفين مأجورين، ومن جهة ثالثة معارضة سورية مفككة متناحرة تضخمت لديها الأنا كثيراً ولم تتعاون مع بعضها في سبيل إنجاح أهداف الثورة. ونحن إذ وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم فهل مازال الوضع كما هو أم هناك اختلاف في النهج والعمل؟

من ناحيتي لا أجد فروقاً كبيرة، فالتفكك والبعثرة سمة أساسية من سمات الوضع الحالي، سواء أكان التفكك على مستوى نشطاء الثورة السورية، وعدم امتلاك الكثير منهم الوعي والنضج السياسي الكافي لقيادة العمل الثوري، أو على صعيد المعارضة السياسية التي لازالت مفككة متناحرة فيما بينها، لا بل أصبحت المؤسسات الرسمية الناطقة باسم الثورة السورية تابعة للدول المختلفة وتنفذ أجندات تلك الدول، أو على صعيد الفصائل العسكرية وكثير منها لازال يرفع رايات التطرف ويمارس نفس إجرام النظام في المناطق التي يسيطرون عليها.

وعلى صعيد أدوات العمل لازال الانفعال وردود الفعل سمة أساسية، ولم يتم وضع برامج وأهداف استراتيجية يعملون على تحقيقها عبر مجموعة من الأهداف التكتيكية القصيرة التي توصلهم مع تراكم الإنجازات والنجاحات الجزئية الصغيرة لأهدافهم الكبيرة، فمثلاً في الأسابيع الأولى من الثورة، ولم يكن عودها قد قوي بعد، فوجئت برفع شعارات محقة كأهداف استراتيجية لكنها خاطئة في التوقيت وطريقة الطرح، فقد عكست تسميات أسابيع الثورة السورية التسرع والسعي الحثيث للسلطة من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تسيطر على صفحة الثورة السورية، فسميت جمعة 24 حزيران بجمعة سقوط الشرعية، وسميت الجمعة التي تلتها بجمعة ارحل والتي تلتها بجمعة لا للحوار.

لقد دفعت هذه التسميات الثورة السورية نحو الشعاراتية وإظهار المظلومية والاستجداء من العالم كباقي الشعارات التي عشنا فيها منذ بدايات الاستقلال دون تحقيق أية نتائج، ودفعت في الداخل باتجاه استقطاب المجتمع، والتطرف، فبدلاً من رفع شعارات تطالب بالدولة المدنية الديمقراطية الجامعة، والعدالة الاجتماعية، وحرية العمل السياسي وغيرها من الشعارات التي تخدم أهداف تكتيكية صغيرة تؤدي إلى سحب رصيد النظام وقصقصة أظافره وتقوية جسم الثورة بضم المزيد من المترددين والخائفين، وإذا بي أراهم يندفعون بقراءات خاطئة إلى التطرف ورفع شعارات لا يمكن تحقيقها في ظل دولة محكومة بنظام مثل نظام الأسد خلال أول شهرين من الثورة السورية.

تتكرر الشعاراتية في الأنشطة الثورية التي تطلقها التجمعات المختلفة، وكان آخرها قضية عادلة كقضية المعتقلين، إذ أطلقت سابقاً عدة شعارات وحملات مختلفة تطالب بالمعتقلين ولم تتعدى صفحات الفيسبوك والوقفات المتفرقة، ومن ثم ماتت القضية تحت زحمة الشعارات المختلفة التي تبارى الجميع برفعها مزاودين على بعضهم البعض لإظهار ثوريتهم، لتعود مجددا اليوم مع إعلان نظام الأسد لأسماء ضحايا جلاديه في المعتقلات.

لم أجد في الحملة الجديدة اليوم أي اختلاف عما سبقها، نداءات مختلفة من النشطاء لإطلاق يوم المعتقل وعدد من الصور والتصاميم ودعوة لحشد مظاهرات في عدد من المدن لن يشارك فيها سوى العشرات كما درجت العادة، وتنتهي الموجة لتبدأ بعدها حملة أخرى تكرر نفس ما سبقها.

لم يتغير أسلوب العمل منذ بداية الثورة وحتى اليوم، شعارات كبيرة ترفع دون أدوات قادرة على حملها، فهل نحن قادرون على تغيير هذا النهج، أم لازال للأنا المتضخمة دور في تفرقنا؟ وهل سنسعى لتحقيق الرسالة التي آمن به شهداء معتقلات الأسد، أم أن التطرف سيطر على قلوبنا وأصبح من الصعب علينا العمل بشكل جماعي؟.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل