يقال أن في الصمت بلاغة وأن السكوت ليس دائماً علامة رضا وقبول، وأن الكلام في عصرنا ربما ليس بليغاً بما يكفي لنفهمه أو حتى نحمله المدلولات المناسبة الواردة في أمهات القواميس.
ها أنذا أحاول أن أتفلسف لأستطيع تفسير هذا الصمت المخيف الذي يلف كامل المشهد في شمالنا الجغرافي، أو قليل كلام الطلاسم والأحاجي الذي يردده هذا أو ذاك بين كل فينة وأخرى، وتراه يعقد أكثر مما يفسر ويطلسم أكثر مما ينبغي له أن يشرح، وكأن الأفرقاء جميعاً ممن هم في خانة الحلفاء والأعداء قد اتفقوا على أن يفاجئونا كعادتهم بترتيبات ما كانت تخطر على بال كل لبيب منا، فكيف بكل بسيط وساذج!.
فرسان ومغاوير أنتم، يا من سميتم أنفسكم بكل بهتان جهابذة وقادة على جانبي الدفة المنهكة بطرفيها المجادل والمقاتل، وكأن بي أراكم كطرفي شحنات “أديسون” بسالبها وموجبها متضادان ومتنافران ومتناحران، ويا تُرى أي ترتيب هذا الذي جعلكم تبتلعون ألسنتكم كما تفعل الحيّات، وتدفنون رؤوسكم في الرمل كما النعامات، وفاتكم أننا في الوقت الذي نرى رؤوسكم مدفونة في تراب الشمال خجلاً وحياء، نرى سوءاتكم الكبيرة والمقرفة وكأنها نار على طور سيناء.
تباً لكم، وتباً لنا لأنكم منا، وتباً لكل أفاق ومارق، وتباً للعرب والأعراب والعجم وللزنج والفرنج، فكامل الجوقة قد غرقت في مستنقع العار والرذيلة حتى أرفع الشعر والعمائم وحتى أصغر الخوافي والقوادم، متعالون ومتعجرفون سماتهم الكبر والنفاق واقتناص الفرص، بعيدون عن الحس الخلقي والإنساني يتركون جموعاً غفيرة هائمة على وجوهها في بيداء قاحلة لا تعرف لها نهاية.
يتحججون بتململ الحاضنة وضعفها، وأحيانا جهلها، وتناسوا أن هذه الحاضنة هي من بدأتها أول مرة حين كانوا بين ثري في المهجر أو ناشط عاجز أخرجهم الطاغية من غياهب المعتقلات وفق خطة رسمها ليحققوها له كما أرادها عن سذاجة وفكر ضحل، هذا إن أحسنا الظن واستبعدنا فكرة استخدامهم بقليل من العطايا أو متسلق ذي هدف.
مسكين أنت يا “شعب الشام”، وصابر أنت حتى نخاع ظهرك وعظمك وطاهر أكثر من الطهر نفسه، أردتها لله وبذلت لها كل غال وسفكت لأجلها دماء أشرافك وأطهارك، ثم انبرى من القوم أرذلهم ليستبعدوك ويستعبدوك، فطوبى لك وطوبى للأشراف والأعزاء والكرماء.
أعدها سيرتها القديمة، وانفض عن كاهلك عفير الأوغاد، إفعلها وارمِ بهم مكان قصياً ثم إمضِ إلى المجد بثقة الفرسان وأخلاقهم، وأمسك من الأمر الزمام فماجد أنت وشجاع ونبيل، فأنت الشامي الذي لا يفسد وما ينبغي له أن يفعل، فلن تفسد أمة، الله حافظها وحافظ سرها.
Sorry Comments are closed